الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() هويته بذلك الشيء فلا يصح أن يكون علة لمعلول و لا شرطا لمشروط و لا حقيقة لمحقق و لا دليلا لمدلول و لا سيما و قد قال سبحانه ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ [الإخلاص:3] مطلقا و ما قيد فلو كان حقيقة لولد محققا و لو كان دليلا لولد مدلولا و لو كان علة لولد معلولا و لو كان شرطا لولد مشروطا فهو سبحانه المستند المجهول الذي لا تدركه العقول و لا تفصل إجماله الفصول فهذا أيضا وجه من وجوه تنزيه التوحيد و أما ما يتعلق بالواحد و الأحد من التوحيد في أحديته فإن لفظ الأحدية جاءت ثابتة الإطلاق على من سواه فقال ﴿وَ لاٰ يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ [الكهف:110] و إن كان المفهوم منه بالنظر إلى تفسير المعاني على طريق أهل اللّٰه أنه لا يعبد من حيث أحديته لأن الأحدية تنافي وجود العابد فكأنه يقول لا يعبد إلا الرب من حيث ربوبيته فإن الرب أوجدك فتعلق به و تذلل له و لا تشرك الأحدية مع الربوبية في العبادة فتتذلل لها كما تتذلل للربوبية فإن الأحدية لا تعرفك و لا تقبلك فيكون تعبد في غير معبد و تطمع في غير مطمع و تعمل في غير معمل و هي عبادة الجاهل فنفى عبادة العابدين من التعلق بالأحدية فإن الأحدية لا ثبت إلا لله مطلقا و أما ما سوى اللّٰه فلا أحدية له مطلقا فهذا هو المفهوم من هذه الآية عندنا من حيث طريقنا في تفسير القرآن و يأخذ أهل الرسوم من ذلك قسطهم أيضا تفسيرا للمعنى فيحملون الأحد المذكور على ما اتخذوه من الشركاء و هو تفسير صحيح أيضا فالقرآن هو البحر الذي لا ساحل له إذ كان المنسوب إليه يقصد به جميع ما يطلبه الكلام من المعاني بخلاف كلام المخلوقين و إذا علمت هذا علمت المراد بقوله جل ثناؤه لنبيه عليه السلام ﴿قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:1] أي لا يشارك في هذه الصفة و أما الواحد فإنا نظرنا في القرآن هل أطلقه على غيره كما أطلق الأحدية فلم أجده و ما أنا منه على يقين فإن كان لم يطلقه فهو أخص من الأحدية و يكون اسما للذات علما لا يكون صفة كالأحدية فإن الصفة محل الاشتراك و لهذا أطلقت لاحدية على كل ما سوى اللّٰه في القرآن و لا يعتبر كلام الناس و اصطلاحهم و إنما ينظر ما ورد في القرآن الذي هو كلام اللّٰه فإن وجد في كلام اللّٰه لفظ الواحد كان حكمه حكم لاحدية للاشتراك اللفظي فيه و إن كان لا يوجد في كلام اللّٰه لفظ الواحد يطلق على الغير فيلحقه بخصائص ما تستحقه الذات و يكون كالاسم اللّٰه الذي لم يتسم به أحد سواه و مما يتعلق بهذا المنزل من التنزيه الخاص به ما يحصل من المعارف التي ذكرناها في كتاب مواقع النجوم في التجلي الصمداني و لا نريد بذلك ما أراد العارف أبو عبد اللّٰه البستي في كتابه الذي جعله في عبد الرب و عبد الصمد فإن الصمد الذي نريده لا يضاف و لا يضاف إليه فإن المتضايفين لا بد أن يكون لهما بينية فيكون بينهما نسبة رابطة بها يصح أن تكون الإضافة محققة لهما فالصمد الذي أراده البستي بعبد الصمد هو الذي يلجأ إليه و يتعلق به و يقابل بالتوجه و لهذا نهت الشريعة للمصلي إذا استتر بأصطوانة أو عصا أو مؤخرة رحل أو ما هو مثلها أن يصمد إليها صمدا و لكن ينحرف عنها قليلا يمينا أو شمالا و ليس من أوصاف التنزيه من يصمد إليه و لكنه من أوصاف الكرم فالصمدية المطلقة عن هذا التقييد هي التي تستحق أن تكون صفة تنزيه إذ لا تعلق للكون بها و هي المطلوبة في هذا المنزل و شرحها في اللغة مذكور الأسماء الإلهية [أن منزل تنزية التوحيد يطلب الأحدية]و اعلم أن هذا المنزل و إن كان يطلب الأحدية و التنزيه من جميع الوجوه فإنه يظهر في الكشف الصوري المقيد بالظاهر كالبيت القائم على خمسة أعمدة عليها سقف مرفوع محيط به حيطان لا باب فيها مفتوح فليس لأحد فيه دخول بوجه من الوجوه لكن خارج البيت عمود قائم ملصق إلى حائط البيت يتمسح به أهل الكشف كما يقبلون و يتمسحون بالحجر الأسود الذي جعله اللّٰه خارج البيت و جعله يمينا له و أضافه إليه لا إلى البيت كذلك هذا العمود لا يضاف إلى هذا المنزل و إن كان منه إلا أنه ليس هو خاصا به فإنه موجود في كل منزل إلهي و كأنه ترجمان بيننا و بين ما تعطيه المنازل من المعارف و قد نبه على ذلك ابن مسرة الجبلي في كتاب الحروف له و هذا العمود له لسان فصيح يعبر لنا عما تحويه المنازل فنستفيد منه علم ذلك و من المنازل ما ندخل فيه و نمشي في زواياه فنجد الأمر على حد ما عرفناه فيه و من المنازل ما لا سبيل لنا إلى الدخول فيه مثل هذا المنزل فنأخذ من هذا العمود التعريف بحكم التسليم فإنه قد قام الدليل لنا على عصمته فيما يخاطبنا به في عالم الكشف كالرسول في عالم الحس فهو لسان حق و من الناس من يلحقه بأعمدة البيت فإن بعض الحائط عليه و لا يظهر لنا منه إلا وجه واحد و سائره مستور في الحائط فيقول بعض المكاشفين إن البيت قائم على ستة أعمدة فلا تناقض بين مثبتي الخمسة و الستة |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |