الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
الصفة بل تصرف فيما أباحه اللّٰه له و قد كان قبل هذه الصفة من أهل الحدود فجاوزها بعد حفظها فهذا أعطاه شرف العلم مع وجود عقل التكليف بخلاف صاحب الحال فإن حكم صاحب الحال حكم المجنون الذي ارتفع عنه القلم فلا يكتب لا له و لا عليه و هذا يكتب له و لا عليه فهذا قدر ما بين العلم و الحال فما أشرف العلم فالمحب إذا كان صاحب علم هو أتم من كونه صاحب حال فالحال في هذه الدار الدنيا نقص و في الآخرة تمام و العلم هنا تمام و في الآخرة تمام و أتم المحب اللّٰه لما علم من عباده المحبين له أنهم غير مطالبين لله ما أوجبه لهم على نفسه جاوزوا الحدود بعد حفظها فأعطاهم ما أوجبه على نفسه و هو حفظها ثم أعطاهم بغير حساب و هو مجاوزته الحدود فإن الحد الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف و مجاوزة الحدود الزيادة في قوله ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنىٰ﴾ [يونس:26] و هو حفظ الحد ﴿وَ زِيٰادَةٌ﴾ [يونس:26] و هي ما جاوز الحد ﴿هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ﴾ [ص:39] (منصة و مجلى)نعت المحب بأنه غيور على محبوبه منهو هذا أحق ما يوجد في حق من يحب اللّٰه و هذا مقام الشبلي أداه إلى ذلك تعظيم محبوبه في نفسه و حقارة قدره فرأى أنه لا يليق بذلك الجناب العزيز إدلال المحبين فإن المحبين لهم إدلال في الحضرة الإلهية إلا المحبين الموصوفين بالغيرة فإنهم لا إدلال لهم لما غلب عليهم من التعظيم فهم الموصوفون بالكتمان و سببه الغيرة و الغيرة من نعوت المحبة فهم لا يظهرون عند العالم بأنهم من المحبين و هذا مقام رسول اللّٰه ﷺ فإنه وصف نفسه بأنه أغير من سعد بعد ما وصف سعدا بأنه غيور فإني ببنية المبالغة في غيرة سعد ثم «ذكر أنه ﷺ أغير من سعد» فستر محبته و ما لها من الوجد فيه بالمزاح و ملاعبة الصغير و إظهار حبه فيمن أحبه من أزواجه و أولاده و أصحابه هذا كله من باب الغيرة و قوله ﴿إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ﴾ [الكهف:110] فلم يجعل عند نفسه أنه من المحبين فجهلته طبيعته و تخيلت أنه معها لما رأته يمشي في حقها أو يؤثرها و لم تعلم بأن ذلك عن أمر محبوبه إياه بذلك «فقيل إن محمدا ﷺ يحب عائشة و الحسن و الحسين و ترك الخطبة يوم الجمعة و نزل إليهما لما رآهما يعثران في أذيالهما و صعد بهما و أتم خطبته» هذا كله من باب الغيرة على المحبوب إن تنتهك حرمته و إن هذا ينبغي أن يكون الأمر عليه تعظيما للجناب الأقدس أن يعين ثم لا يظهر ذلك الاحترام من الكون فسدل ستر الغيرة في قلوب عباده المحبين المحب اللّٰه «قال ﷺ في هذا الحديث و اللّٰه أغير مني و من غيرته حرم الفواحش» ليفتضح المحبون في دعواهم محبته فغار أن يدعي فيه الكاذب دعوى الصادق و لا يكون ثم ميزان يفصل بين الدعوتين فحرم الفواحش فمن ادعى محبته وقف عند حدوده فتبين الصادق من الكاذب و الكل بالله قائم فغار على محبوبه منه فأضاف الأفعال إليه لا إلى العبد حتى لا ينسب نقص للعبد (منصة و مجلى)نعت المحب بأنه يحكم |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





