المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة يونس: [الآية 26]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة يونس | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (97) فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (98)
إن الإنسان ولد على الفطرة ، وهي العلم بوجود الرب أنه ربنا ، ونحن عبيد له ، والإنسان لا يقبض حين يقبض إلا بعد كشف الغطاء ، فلا يقبض إلا مؤمنا ولا يحشر إلا مؤمنا ، غير أن اللّه تعالى لما قال : «فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا» فما آمنوا إلا ليندفع عنهم ذلك البأس ، فما اندفع عنهم ، وأخذهم اللّه بذلك البأس ، وما ذكر أنه لا ينفعهم في الآخرة ، ويؤيد ذلك قوله : «فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا» حين رأوا البأس «كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» فهذا معنى قولنا : «فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ» في رفع البأس عنهم في الحياة الدنيا كما نفع قوم يونس ، فما تعرض إلى الآخرة ومع هذا فإن اللّه يقيم حدوده على عباده حيث شاء ومتى شاء ، فثبت أن انتقال الناس في الدارين في أحوالهم من نعيم إلى نعيم ، ومن عذاب إلى عذاب ، ومن عذاب إلى نعيم ، من غير مدة معلومة لنا ، فإن اللّه ما عرفنا ، إلا أنا استروحنا من قوله : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) أن هذا القدر مدة إقامة الحدود ، ودلت هذه الآية على أن يونس عليه السلام كان محبوبا للّه ، حيث خص قومه من أجله بما لم يخص به أمة قبلها ، وعرفنا بذلك ، فعامل قوم يونس بما عاملهم به من كونه كشف عنهم العذاب بعد ما رأوه نازلا بهم ، فآمنوا ، أرضاه اللّه في أمته فنفعها إيمانها ، ولم يفعل ذلك مع أمة قبلها ، ومتعهم إلى حين فأمدّ لهم في التمتع في مقابلة ما نالوه من الألم عند رؤية العذاب ، فلما اشتد البلاء
على قوم يونس وكانت اللحظة الزمانية عندهم في وقت رؤية العذاب كالسنة أو أطول ، ذكر أنه تعالى في مقابلة هذا الطول الذي وجدوه في نفوسهم أنه متعهم إلى حين ، فبقوا في نعيم الحياة الدنيا زمنا طويلا ، لم يكن يحصل لهم ذلك لولا هذا البلاء وقد قيل إن الحين الذي جعله غاية تمتعهم أنه القيامة واللّه أعلم .
------------
(98) الفتوحات ج 3 / 383 - ج 2 / 415تفسير ابن كثير:
يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح أبدله الحسنى في الدار الآخرة ، كما قال تعالى : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) [ الرحمن : 60 ] .
وقوله : ( وزيادة ) هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وزيادة على ذلك [ أيضا ] ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضا عنهم ، وما أخفاه لهم من قرة أعين ، وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم ، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه ، لا يستحقونها بعملهم ، بل بفضله ورحمته وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم ، عن أبي بكر الصديق ، وحذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن عباس [ قال البغوي وأبو موسى وعبادة بن الصامت ] وسعيد بن المسيب ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبد الرحمن بن سابط ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعامر بن سعد ، وعطاء ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق ، وغيرهم من السلف والخلف .
وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد :
حدثنا عفان ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) وقال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد : يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه . فيقولون : وما هو ؟ ألم يثقل موازيننا ، ويبيض وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، ويزحزحنا من النار ؟ " . قال : " فيكشف لهم الحجاب ، فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ، ولا أقر لأعينهم " .
وهكذا رواه مسلم وجماعة من الأئمة ، من حديث حماد بن سلمة ، به .
وقال ابن جرير : أخبرنا يونس ، أخبرنا ابن وهب : أخبرنا شبيب ، عن أبان عن أبي تميمة الهجيمي ؛ أنه سمع أبا موسى الأشعري يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي : يا أهل الجنة - بصوت يسمع أولهم وآخرهم - : إن الله وعدكم الحسنى وزيادة ، الحسنى : الجنة . وزيادة : النظر إلى وجه الرحمن عز وجل " .
ورواه أيضا ابن أبي حاتم ، من حديث أبي بكر الهذلي عن أبي تميمة الهجيمي ، به .
وقال ابن جرير أيضا : حدثنا ابن حميد ، حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن كعب بن عجرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) قال : النظر إلى وجه الرحمن عز وجل .
وقال أيضا : حدثنا ابن عبد الرحيم حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، سمعت زهيرا عمن سمع أبا العالية ، حدثنا أبي بن كعب : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) قال : " الحسنى : الجنة ، والزيادة : النظر إلى وجه الله عز وجل " .
ورواه ابن أبي حاتم أيضا من حديث زهير ، به .
وقوله تعالى : ( ولا يرهق وجوههم قتر ) أي : قتام وسواد في عرصات المحشر ، كما يعتري وجوه الكفرة الفجرة من القترة والغبرة ، ( ولا ذلة ) أي : هوان وصغار ، أي : لا يحصل لهم إهانة في الباطن ، ولا في الظاهر ، بل هم كما قال تعالى في حقهم : ( فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا ) أي : نضرة في وجوههم ، وسرورا في قلوبهم ، جعلنا الله منهم بفضله ورحمته ، آمين .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
ولما دعا إلى دار السلام، كأن النفوس تشوقت إلى الأعمال الموجبة لها الموصلة إليها، فأخبر عنها بقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} أي: للذين أحسنوا في عبادة الخالق، بأن عبدوه على وجه المراقبة والنصيحة في عبوديته، وقاموا بما قدروا عليه منها، وأحسنوا إلى عباد الله بما يقدرون عليه من الإحسان القولي والفعلي، من بذل الإحسان المالي، والإحسان البدني، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهلين، ونصيحة المعرضين، وغير ذلك من وجوه البر والإحسان.
فهؤلاء الذين أحسنوا، لهم "الحسنى" وهي الجنة الكاملة في حسنها و "زيادة" وهي النظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، والفوز برضاه والبهجة بقربه، فبهذا حصل لهم أعلى ما يتمناه المتمنون، ويسأله السائلون.
ثم ذكر اندفاع المحذور عنهم فقال: {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} أي: لا ينالهم مكروه، بوجه من الوجوه، لأن المكروه، إذا وقع بالإنسان، تبين ذلك في وجهه، وتغير وتكدر.
وأما هؤلاء ـ فهم كما قال الله عنهم ـ {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيم} {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} الملازمون لها {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} لا يحولون ولا يزولون، ولا يتغيرون.
تفسير البغوي
قوله تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) أي : للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى ، وهي الجنة ، وزيادة : وهي النظر إلى وجه الله الكريم ، هذا قول جماعة من الصحابة ، منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وحذيفة ، وأبو موسى ، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم ، وهو قول الحسن ، وعكرمة وعطاء ، ومقاتل ، والضحاك ، والسدي .
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب إملاء ، حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصنعاني ، حدثنا الأسود بن عامر ، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت - يعني البناني - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب رضي الله عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه ، قالوا : ما هذا الموعود؟ ألم يثقل موازيننا ، ويبيض وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، ويجرنا من النار؟ قال : فيرفع الحجاب فينظرون إلى وجه الله عز وجل . قال : فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إليه " .
وروي عن ابن عباس : أن الحسنى هي أن الحسنة بمثلها والزيادة هي التضعيف عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف . وقال مجاهد : الحسنى : حسنة مثل حسنة ، والزيادة المغفرة والرضوان .
( ولا يرهق ) لا يغشى ( وجوههم قتر ) غبار ، جمع قترة . قال ابن عباس وقتادة : سواد الوجه ، ( ولا ذلة ) هوان . قال قتادة : كآبة . قال ابن أبي ليلى : هذا بعد نظرهم إلى ربهم . ( أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) .
الإعراب:
(لِلَّذِينَ) اللام حرف جر واسم الموصول في محل جر به متعلقان بالخبر المقدم (أَحْسَنُوا) ماض وفاعله والجملة صلة (الْحُسْنى) مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والحسنى الجنة (وَزِيادَةٌ) معطوف على الحسنى والجملة مستأنفة والزيادة هي النظر لوجه اللّه العظيم (وَلا) الواو عاطفة ولا نافية (يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ) مضارع ومفعوله المقدم وفاعله المؤخر والهاء مضاف إليه والجملة معطوفة (وَلا) الواو عاطفة ولا نافية (ذِلَّةٌ) معطوف على قتر (أُولئِكَ) اسم إشارة مبتدأ والكاف للخطاب (أَصْحابُ) خبر والجملة مستأنفة (الْجَنَّةِ) مضاف إليه (هُمْ) مبتدأ (فِيها) متعلقان بخالدون (خالِدُونَ) خبر مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والجملة مستأنفة.