الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() ﴿إِلىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران:133] و قال ﴿يُسٰارِعُونَ فِي الْخَيْرٰاتِ وَ هُمْ لَهٰا سٰابِقُونَ﴾ [المؤمنون:61] فجعل المسارعة في الخير و إليه و لا يسابق إليها إلا بالذنوب و طلب المغفرة فإنها لا ترد إلا على ذنب و إن كانت في وقت تستر العبد عن إن تصيبه الذنوب و هو المعصوم و المحفوظ فلها الحكمان في العبد محو الذنب بالستر عن العقوبة أو العصمة و الحفظ و لا ترد على تائب فإن التائب لا ذنب له إذ التوبة إزالته فما ترد المغفرة إلا على المذنبين في حال كونهم مذنبين غير تائبين فهناك يظهر حكمها و هذا ذوق لم يطرق قلبك مثله قبل هذا و هو من أسرار اللّٰه في عباده الخفية في حكم أسمائه الحسنى لا يعقل ذلك إلا أهل اللّٰه شهودا فمثل هذا يسمى التضمين فإنه أمر بالمسابقة إلى المغفرة و ما أمر بالمسابقة إلى الذنب و لما كان العفو و الغفران يطلب الذنب و هو مأمور بالمسابقة إلى المغفرة فهو مأمور بما له يكون ليظهر حكمها فما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب و لكن من حيث ما هو فعل لا من حيث ما هو حكم و إنما أخفى ذكره هنا و ذكر المغفرة لقوله ﴿إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يَأْمُرُ بِالْفَحْشٰاءِ﴾ [الأعراف:28] و الأمر من أقسام الكلام فما أمر بالذنوب و إنما أمر بالمسابقة و الإسراع إلى الخير و فيه و إلى المغفرة فافهم [الكير ينفى خبث الأجسام المعدنية]و أما تشبيه بنفي الكير خبث الحديد و الفضة و الذهب و هو ما تعلق بهذه الأجسام في المعادن من أصل الطبيعة استعانوا بالنار على إزالة ذلك و استعانوا على النار بإشعال الهواء و استعانوا على تحريك الهواء بالكير فما انتفى الخبث إلا عن مقدمتين و هما النار و الهواء فلو لا وجود هاتين القوتين العلمية و العملية ما وقع نفي هذا الخبث [أسرار اللّٰه في الأشياء لا تنحصر]و قد تقدم الكلام في الحج المبرور و إن كان له هنا معنى آخر ليس هو ذلك المعنى المتقدم و لكن يقع الاكتفاء بذلك الأول مخافة التطويل فإن أسرار اللّٰه في الأشياء لا تنحصر بل ينقدح في كل حال لأصحاب القلوب ما لا يعلمه إلا اللّٰه و العامة لا نعلم ذلك و لهذا تقول الخواص من عباد اللّٰه ما ثم تكرار للاتساع الإلهي و إنما الأمثال تحجب بصورها القلوب عن هذا الإدراك فتتخيل العامة التكرار ﴿وَ اللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:247] فمن تحقق بوجود هذا الاسم الواسع لم يقل بالتكرار ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ق:15] (حديث ثالث في فصل إتيان البيت شرفه اللّٰه)«خرج مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم من أتى هذا البيت فلم يرفث و لم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» و «في لفظ البخاري عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم من حج لله فلم يرفث و لم يفسق» الحديث [الولادة خروج من الضيق إلى السعة]فاعلم أنه يوم خروج المولود من بطن أمه خرج من الضيق إلى السعة بلا شك و من الظلمة إلى النور و السعة هي رحمة اللّٰه التي ﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] و الضيق نقيض رحمة اللّٰه مع أن الرحمة وسعته حيث أوجدت عينه و جعلت له حكما في نفوس العالم حسا و معنى يقول تعالى ﴿وَ إِذٰا أُلْقُوا مِنْهٰا مَكٰاناً ضَيِّقاً﴾ [الفرقان:13] و المولود على النقيض من الحق في هذه المسألة فإن الحق لما كان له نعت لا شيء موجود إلا هو كان و لا منازع و لا مدع مشاركة في أمر و لا موجب لغضب و لا استعطاف غني عن العالمين فكان بنفسه لنفسه في ابتهاج الأزل و التذاذ الكمال بالغنى الذاتي فكان اللّٰه و لا شيء معه و هو على ما عليه كان [مثل من خرج من السعة إلى الضيق]فلما أوجد العالم كانت هذه الحالة لهذا المولود و لكن على النقيض زاحمه العالم في الوجود العيني و ما قنع حتى زاحمه في الوحدة و ما قنع حتى نسب إليه ما لا يليق به فوصف نفسه لهذا كله بالغضب على من نازعه في كل شيء ذكرناه فكان مثل من خرج من السعة إلى الضيق و من الفرح إلى الغم فانتقم و عذب بصفة الغضب و عفا و تجاوز بصفة الكرم و حفظ و عصم بصفة الرحمة فظهر الاستناد من الموجودات إلى الكثرة في العين الواحدة فاستند هذا إلى غير ما استند هذا فزال ابتهاج التوحيد و الأحدية بالأسماء الحسنى و بما نسب إليه من الوجوه المتعددة الأحكام فلم يبق للاسم الواحد ابتهاج فرجع الأمر إلى أحدية الألوهية و هي أحدية الكثرة لما تطلبه من الأسماء لبقاء مسمى الأحدية فقال ﴿وَ إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ﴾ [البقرة:163] و لم يتعرض إلى ذكر النسب و الأسماء و الوجوه فإن طلب الوحدة ينافي طلب الكثرة فلا بد أن يكون هذا الأمر هكذا [القاصد لبيت اللّٰه من أجل اللّٰه]فصير قاصد بيته لحج أو عمرة من أجل اللّٰه في حال من ولدته أمه أي أنه خرج من الضيق إلى السعة فشبهه بمثله و هو المولود و لم يشبهه بوصفه تعالى الذي ذكرناه آنفا و لكن اشترط فيه أنه لا يرفث فإنه إن نكح أولد فلا يشبه المولود فإنه إذا ولد خرج من السعة إلى الضيق فإنه حصل له في ماله مشاركة بالولد و صار بحكم الولد أكثر منه بحكم نفسه فضاق الأمر عليه و لا سيما إذا تحرك |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |