«وإذا أُلقوا منها مكانا ضيقا» بالتشديد والتخفيف بأن يضيق عليهم ومنها حال من مكانا لأنه في الأصل صفة له «مقُرَّنين» مصفدين قد قرنت: أي جمعت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال والتشديدُ للتكثير «دعوا هنالك ثبورا» هلاكا فيقال لهم.
وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (72)
«وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ» شهادة الزور الميل إلى الباطل عن الحق ، فإن الزور هو الميل «وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً» أي لم ينظروا لما أسقط اللّه النظر إليه ، فلم يتدنسوا بشيء منه ، فمروا به غير ملتفتين إليه «كِراماً» فما أثر فيهم ، فإنه مقام تستحليه النفوس ، وتقبل عليه للمخالفة التي جبلها اللّه عليه ، وهذه هي النفوس الأبية أي التي تأبى الرذائل ،
فهي نفوس الكرام من عباد اللّه ، والتحقوا بهذه الصفة بالملإ الأعلى ، الذين قال اللّه فيهم : (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ) فنعتهم بأنهم كرام ، فكل وصف يلحقك بالملإ الأعلى فهو شرف في حقك .
------------
(72) الفتوحات ج 2 /
620 ، 37
وقوله : ( وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا ) قال قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو قال : مثل الزج في الرمح أي : من ضيقه .
وقال عبد الله بن وهب : أخبرني نافع بن يزيد ، عن يحيى بن أبي أسيد - يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن قول الله ( وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين ) قال : " والذي نفسي بيده ، إنهم ليستكرهون في النار ، كما يستكره الوتد في الحائط " .
وقوله ( مقرنين ) قال أبو صالح : يعني مكتفين : ( دعوا هنالك ثبورا ) أي : بالويل والحسرة والخيبة .
قوله {بل كذبوا بالساعة} يريد يوم القيامة. {وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا} يريد جهنم تتلظى عليهم. {إذا رأتهم من مكان بعيد} أي من مسيرة خمسمائة عام. {سمعوا لها تغيظا وزفيرا} قيل : المعنى إذا رأتهم جهنم سمعوا لها صوت التغيظ عليهم. وقيل : المعنى إذا رأتهم خزانها سمعوا لهم تغيظا وزفيرا حرصا على عذابهم. والأول أصح؛ لما روي مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من كذب علي متعمدا فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا) قيل : يا رسول الله! ولها عينان؟ قال : (أما سمعتم الله عز وجل يقول{إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا} يخرج عنق من النار له عينان تبصران ولسان ينطق فيقول وكلت بكل من جعل مع الله إلها آخر فلهو أبصر بهم من الطير بحب السمسم فيلتقطه) في رواية (فيخرج عنق من النار فيلتقط الكفار لقط الطائر حب السمسم) ذكره رَزين في كتابه، وصححه ابن العربي في قبسه، وقال : أي تفصلهم عن الخلق في المعرفة كما يفصل الطائر حب السمسم من التربة. وخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق بقول إني وكلت بثلاث بكل جبار عنيد وبكل من دعا مع الله إلها آخر وبالمصورين). وفي الباب عن أبي سعيد قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح. وقال الكلبي : سمعوا لها تغيظا كتغيظ بني آدم وصوتا كصوت الحمار. وقيل : فيه تقديم وتأخير، سمعوا لها زفيرا وعلموا لها تغيظا. وقال قطرب : التغيظ لا يسمع، ولكن يرى، والمعنى : رأوا لها تغيظا وسمعوا لها زفيرا؛ كقول الشاعر : ورأيت زوجك في الوغى ** متقلدا سيفا ورمحا أي وحاملا رمحا. وقيل {سمعوا لها} أي فيها؛ أي سمعوا فيها تغيظا وزفيرا للمعذبين. كما قال {لهم فيها زفير وشهيق} يونس 106 ، و في واللام يتقاربان؛ تقول : أفعل هذا في الله ولله. {وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين} قال قتادة : ذكر لنا أن عبدالله كان يقول : إن جهنم لتضيق على الكافر كتضييق الزج على الرمح؛ ذكره ابن المبارك في رقائقه. وكذا قال ابن عباس، ذكره الثعلبي والقشيري عنه، وحكاه الماوردي عن عبدالله بن عمرو. ومعنى {مقرنين} مكتفين؛ قاله أبو صالح. وقيل : مصفدين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال. وقيل : قرنوا مع الشياطين؛ أي قرن كل واحد منهم إلى شيطانه؛ قاله يحيى بن سلام. وقد مضى هذا في - إبراهيم - وقال عمرو بن كلثوم : فأبوا بالنهاب وبالسبايا ** وأبنا بالملوك مقرنينا {دعوا هنالك ثبورا} أي هلاكا؛ قاله الضحاك. ابن عباس : ويلا. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (أول من يقول إبليس وذلك أنه أول من يكسى حلة من النار فتوضع على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من خلفه وهو يقول واثبوراه). وانتصب على المصدر، أي ثبرنا ثبورا؛ قاله الزجاج. وقال غيره : هو مفعول به. قوله {لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا} فإن هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة. وقال : ثبورا لأنه مصدر يقع للقليل والكثير فلذلك لم يجمع؛ وهو كقولك : ضربته ضربا كثيرا، وقعد قعودا طويلا. ونزلت الآيات في ابن خطل وأصحابه.
وإذا أُلقوا في مكان شديد الضيق من جهنم- وقد قُرِنت أيديهم بالسلاسل إلى أعناقهم- دَعَوْا على أنفسهم بالهلاك للخلاص منها.
{ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ } أي: وقت عذابهم وهم في وسطها، جمع في مكان بين ضيق المكان وتزاحم السكان وتقرينهم بالسلاسل والأغلال، فإذا وصلوا لذلك المكان النحس وحبسوا في أشر حبس { دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا } دعوا على أنفسهم بالثبور والخزي والفضيحة وعلموا أنهم ظالمون معتدون، قد عدل فيهم الخالق حيث أنزلهم بأعمالهم هذا المنزل، وليس ذلك الدعاء والاستغاثة بنافعة لهم ولا مغنية من عذاب الله
( وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا ) قال ابن عباس : تضيق عليهم كما يضيق الزج . في الرمح ، ) ( مقرنين ) مصفدين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال . وقيل : مقرنين مع الشياطين في السلاسل ، ( دعوا هنالك ثبورا ) قال ابن عباس : ويلا . وقال الضحاك : هلاكا ، وفي الحديث : " إن أول من يكسى حلة من النار إبليس ، فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه ، وذريته من خلفه ، وهو يقول : يا ثبوراه ، وهم ينادون : يا ثبورهم ، حتى يقفوا على النار فينادون : يا ثبوراه ، وينادي : يا ثبورهم ، فيقال لهم
(وَإِذا) الواو عاطفة إذا ظرف يتضمن معنى الشرط (أُلْقُوا) ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل والجملة مضاف إليه والكلام معطوف على ما قبله (مِنْها) متعلقان بألقوا (مَكاناً) ظرف مكان متعلق بألقوا (ضَيِّقاً) صفة (مُقَرَّنِينَ) حال منصوبة بالياء لأنها جمع مذكر سالم (دَعَوْا) ماض مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين والواو فاعل والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم (هُنالِكَ) اسم إشارة للمكان واللام للبعد والكاف للخطاب في محل نصب على الظرفية (ثُبُوراً) مفعول مطلق
Traslation and Transliteration:
Waitha olqoo minha makanan dayyiqan muqarraneena daAAaw hunalika thubooran
And when they are flung into a narrow place thereof, chained together, they pray for destruction there.
Elleri, boyunlarına zincirlerle bağlanarak ateşin dar bir yerine atıldıkları zaman da helak olduk, bittik diye bağrışacaklar.
Et quand on les y aura jetés, dans un étroit réduit, les mains liées derrière le cou, ils souhaiteront alors leur destruction complète.
Und wenn sie dort in einen engen Ort muqranin hineingeworfen werden, flehen sie dort um den Untergang.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الفرقان (Al-Furqan - The Criterian) |
ترتيبها |
25 |
عدد آياتها |
77 |
عدد كلماتها |
896 |
عدد حروفها |
3786 |
معنى اسمها |
(الْفُرْقَانُ): مِن أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ الكَرِيمِ؛ وسُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنَّهُ فَرَّقَ بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ |
سبب تسميتها |
دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الفُرْقَانِ) |
مقاصدها |
مَعْرِفَةُ أَهْلِ البَاطِلِ وَصِفَاتِهِم، وَأَهْلِ الحَقِّ وَصِفَاتِهِم |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الفُرْقَانِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ أَعْمَالِ الكُفَّارِ وَدَعْوَتِهِم لِلْحَقِّ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗ ...٣﴾... الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا ٧٧﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الفُرْقَانِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (النُّورِ): اتِّفَاقُ الْلَّفْظِ وَالمَعْنَى، فَفِي خِتَامِ (النُّورِ) قَالَ: ﴿أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ ...٦٤﴾، وَفِي مُفْتَتَحِ (الفُرْقَانِ) قَالَ: ﴿ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ...٢﴾. |