الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() «(بسم اللّٰه الرحمن الرحيم)» (وصل فصول الأحاديث النبوية فيما يتعلق بهذا البابو لا أذكرها بجملتها و إنما أذكر منها ما تمس الحاجة إليه) و بعد أن قد ذكرنا حجة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم من حديث جابر بن عبد اللّٰه فلنذكر في بقية هذا الباب ما تيسر من الأخبار النبوية فمن ذلك (حديث فضل الحج و العمرة)«خرج مسلم في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم قال العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما و الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» [الكفارة تعطي الستر و الجنة تعطي الستر]فالكفارة تعطي الستر و الجنة تعطي الستر غير أن ستر العمرة لا يكون إلا بين عمرتين و ستر الحج لم يشترط فيه ذلك إلا أنه قيده بأنه يكون مبرورا و البر الإحسان و الإحسان مشاهدة أو كالمشاهدة فإنه «قال صلى اللّٰه عليه و سلم في تفسير الإحسان أن تعبد اللّٰه كأنك تراه» فصارت الجنة عن حج مقيد بصفة بر فقام البر للحج مقام العمرة الثانية للعمرة الأولى و السبب في ذلك أن التكفير و الجنة نتيجة و النتيجة لا تكون عن واحد فإن ذلك لا يصح و إنما تكون عن مقدمتين فحصل التكفير عن عمرتين و حصلت الجنة عن حج مبرور أي يكون عن صاحب صفة بر فما أعجب مقاصد الشارع [زيارات أهل السعادة لله تعالى]فالعمرة الزيارة و هي زيارات أهل السعادة لله تعالى هنا بالقلوب و الأعمال و في الدار الآخرة بالذوات و الأعيان و بين الزيارتين حجب موانع بين الزائرين و بين أهليهم من أهل الجنان و في حالة الدنيا بين المعتمرين و بين غيرهم فلا يدرك ما حصلوه في تلك الزيارة من الأسرار الإلهية و الأنوار ما لو تجلى بشيء منها لإبصار من ليس لهم هذا المقام لأحرقهم و ذهب بوجودهم فكان ذلك الستر رحمة بهم و قد عاينا ذلك في المعارف الإلهية مشاهدة حين زرناه بالقلوب و الأعمال بمكة التي لا تصح العمرة إلا بها و أما الزيارة من غير تسميتها بالعمرة فتكون لكل زائر حيث كان و كذلك الحج فهي زيارة مخصوصة كما هو قصد مخصوص و لما فيها من الشهود الذي يكون به عمارة القلوب تسمى عمرة [معنى التكفير في الحج و العمرة]فهذا معنى التكفير في هذا العمل الخاص و قد يكون التكفير في غير هذا و هو أن يسترك عن الانتقام أن ينزل بك لما تلبست به من المخالفات و من الناس من يكون له التكفير سترا من المخالفات أن تصيبه إذا توجهت عليه لتحل به لطلب النفس الشهوانية إياها فيكون معصوما بهذا الستر فلا يكون للمخالفة عليه حكم و هذان المعنيان خلاف الأول و من الناس من يجمع ذلك كله و في الدنيا من هذه الأحكام الثلاثة كلها و في الآخرة اثنان خاصة و هو الستر الأول و الستر أن لا يصيبه الانتقام [الستر عن المخالفات]و أما الستر عن المخالفات فلا يكون إلا في الدنيا لوجود التكليف و الآخرة ليست بمحل للتكليف إلا في يوم القيامة في موطن التمييز حين يدعون إلى السجود فهو دعاء تمييز لا دعاء تكليف إلا الحديث الذي خرجه الحميدي في كتاب الموازنة و لم يثبت و لما اقترن به الأمر أشبه التكليف فجوزوا بالسجود جزاء المكلفين كما تجيء الملائكة إليهم من عند اللّٰه بالأمر و النهي و ليس المراد به التكليف و هو قولهم للسعداء ﴿أَلاّٰ تَخٰافُوا وَ لاٰ تَحْزَنُوا﴾ [فصلت:30] و هذا نهي ﴿وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ﴾ [فصلت:30] و هذا أمر و ليس بتكليف كذلك إذا أمروا بالسجود إنما هو للتمييز و الفرقان بين من سجد لله خالصا و سجد اتقاء و رياء و سمعة لاجتماعهم في السجود لله فلذلك وقع الشبه لأنهم ما سجدوا ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [الأعراف:29] كما أمروا فميز اللّٰه يوم القيامة بينهما كما ميز بين المجرمين قال تعالى ﴿وَ امْتٰازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ [يس:59] (حديث ثان في الحث على المتابعة بين الحج و العمرة)لأن كل واحد منهما قصد زيارة بيت اللّٰه العتيق «خرج النسائي عن عبد اللّٰه هو ابن مسعود قال قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم تابعوا بين الحج و العمرة فإنهما ينفيان الفقر و الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد و الذهب و الفضة» و ليس للحج المبرور ثواب دون الجنة فجعل في الأول العمرة إلى العمرة و كذلك الحج و البر و هنا جعل الحج و العمرة مقدمتين ليكون منهما أجر آخر ليس ما أعطاه الحديث الأول و هو نفي الفقر فيحال بينك و بين عبوديتك إذا جمعت بين هاتين العبادتين [العبد لا يتميز عن الرب إلا بالافتقار]و ما ثم إلا عبد و رب و العبد لا يتميز عن الرب إلا بالافتقار فإذا أذهب اللّٰه بفقره كساه حلة الصفة |
|
||||||||
![]() |
![]() |
||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |