الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() «المطلب عن عائشة قالت كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إذا دخل رمضان شد مئزره فلم يأو إلى فراشه حتى ينسلخ رمضان» و «خرج أيضا مسلم عنها أنها قالت كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إذا دخل العشر تعني العشر الآخر من رمضان أحيا الليل و أيقظ أهله و جد و شد المئزر» و قيام الليل عبارة عن الصلاة فيه هذا هو المعروف من قيام الليل في العرف الشرعي و الناس في مناجاة الحق فيه على قسمين فمنهم من يناجيه بالاسم الممسك و هو أيضا من حجاب الاسم رمضان و منهم من يناجيه بالاسم الفاطر و هو أيضا من حجابه و الناس على اختلاف في أحوالهم [مزاحمة الرحمن و مزاحمة الأكوان]لو لا مزاحمة الرحمن أعمالي *** ما زاحمته على التكوين إخواني يقول كن و حصول الكون ليس لنا *** و ما له في وجود الكون من ثاني يقول صم فإذا صمنا يقول لنا *** هذا الصيام لنا فأين أعياني إن قلت لي لم أخاطبكم بما هو لي *** فلي شهود على التكليف آذاني أسمعتني ثم بعد السمع تسلبني *** فالصوم لي و لكم في الشرع قسمان إن كنت تسلبني عنه فشأنكمو *** في الصوم ما هو في التحقيق من شأني [الاسم الفاطر أقوى حكما في ليل شهر رمضان]و الاسم الفاطر على هذا في ليل شهر رمضان أقوى حكما فينا من الممسك فمن كان حاله في إمساكه يطعمه ربه و يسقيه في مبيته في حال كونه ليس بأكل و لا شارب في ظاهره فهو مفطر و إن كان صائما و قد ذقت هذا و من هنا علمت إن «قوله صلى اللّٰه عليه و سلم لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي و يسقيني» إنه نفى أن تشبهه تلك الجماعة التي خاطبهم فلم يكن لهم هذه الحالة إذ لو أراد الأمة كلها ما ذقته و قد وجدته ذوقا و الحمد لله و إن لم يكن ممن يطعمه ربه و يسقيه في حال وصال صومه فهو متطفل على من هذه صفته و هو كلابس ثوبي زور و لذلك يكره له الوصال إذا لم تكن له هذه الصفة حالا يشهدها ذوقا في نفسه و يظهر أثرها عليه في يقظته و اللّٰه يحب الصدق في موطنه كما يحب الكذب في موطنه و هذا ليس بموطن حب الكذب فإن اللّٰه يكرهه في هذا الموطن انتهى الجزء الستون (بسم اللّٰه الرحمن الرحيم) [وصل مناجاة الحق في الزمان الخاص بالحال الإلهي الخاص]فإذا ناجى اللّٰه العبد في هذا الزمان الخاص بالحال الإلهي الخاص فينبغي أن يحضر معه الحضور التام الذي لا يلتفت معه إلى غيره بجمعيته فيناجيه في كل حركة منه و سكون حسا من حيث إنه هو الباطن و معنى من حيث أنه هو الظاهر إذ كان الحس ظاهرا و المعنى باطنا فلا يقوم المعنى إلا بين يدي الظاهر فإنه لو قام بين يدي الباطن و المعنى باطن الحرف الذي هو المحسوس و الحس كان قيام الشيء بين يدي نفسه و الشيء لا يقوم بين يدي نفسه لأنه قام للاستفادة و الشيء لا يستفيد من نفسه نفسه [نزول الحق للتعليم و التعريف و هو علم الخبرة]أ لا ترى نزول الحق للتعليم و التعريف لنا و هو العليم بكل شيء بما كان و يكون و مع هذا أنبأ عن حقيقة لا نرد تعليما لنا بما هو الأمر عليه و أن الحكم للأحوال فأنزل نفسه منزلة المستفيد و جعل المفيد له من خطابه فقال ﴿وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّٰى نَعْلَمَ الْمُجٰاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّٰابِرِينَ﴾ [محمد:31] مع أنه هو العالم بما يكون منهم و لكن الحال يمنع من إقامة الحجة له سبحانه علينا و قال ﴿فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ﴾ [الأنعام:149] فلم يبق بالابتلاء لأحد حجة على اللّٰه فحسم بذلك الابتلاء احتمال قولهم لو حكم بعلمه فيهم أن يقولوا لو بلوتنا وجدتنا واقفين عند حدودك و هذا يسمى علم الخبرة و هو الاسم الخبير في قوله تعالى ﴿عَلِيماً خَبِيراً﴾ [النساء:35] فهذه رائحة إلهية في الاستفادة للشيء من غيره لا من نفسه فنحن أولى بهذه الصفة [أعطية الاسم الظاهر و أعطية الاسم الباطن]فلذلك جعلنا ظاهر العبد يناجي الاسم الباطن و باطن العبد يناجي الاسم الظاهر و يقوم بين يديه قيام مستفيد فيهبه ما شاء أن يهبه فإذا رأيت المستفيد قد استفاد في قيامه خرق العوائد المدركة بالحس المسماة كرامات الأولياء في العموم و آيات الأنبياء الرسل عليهم السلام فذلك أعطية الاسم الظاهر و إذا رأيته قد استفاد علوما و حكما تحار العقول فيها أو تردها أو تقبلها من حيث ما يدركها بالقوة المفكرة فذلك كله أعطية الاسم الباطن فاجعل بالك لما نبهتك عليه و نصحتك لتعلم من تناجي و لا تخلط فيخلط عليك فإن اللّٰه يقول ﴿وَ لَلَبَسْنٰا عَلَيْهِمْ مٰا يَلْبِسُونَ﴾ [الأنعام:9] و قال ﴿وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّٰهُ﴾ [آل عمران:54] ثم نفى المكر عنهم فقال ﴿فَلِلّٰهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً﴾ [الرعد:42] |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |