الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() كتبي المنزلة التي أرسلت رسلي بها إليهم و أكد ذلك بالسين أعني الاستجابة لما علم من إبايتنا و بعدنا عن إجابته لي أي من أجلي لا تعلمون ذلك رجاء تحصيل ما عندي فتكونون عبيد نعمة لا عبيدي و هم عبيدي طوعا و كرها لا انفكاك لهم من ذلك [حقيقة الإيمان]﴿وَ لْيُؤْمِنُوا بِي﴾ [البقرة:186] يصدقوا بإجابتي إياهم إذا دعوني و ليكن إيمانهم بي لا بأنفسهم لأنه من آمن بنفسه لا بالله لم يستوعب إيمانه ما استحقه فإذا آمن بي و في الأمر حقه فأعطى كل ذي حق حقه و هذا هو الذي يصدق بالأخبار كلها و من آمن بنفسه فإنه مؤمن بما أعطاه دليله و الذي أمرته بالإيمان به متناقض الدلالة متردد بين تشبيه و تنزيه فالذي يؤمن بنفسه يؤمن ببعض و يكفر ببعض تأويلا لا ردا فمن تأول فإيمانه بعقله لا بي و من ادعى في نفسه أنه أعلم بي مني فما عرفني و لا آمن بي فهو عبد يكذبني فيما نسبته إلى نفسي بحسن عبارة فإذا سئل يقول أردت التنزيه و هذا من حيل النفوس بما فيها من العزة و طلب الاستقلال و الخروج عن الاتباع ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة:186] أي يسلكون طريق الرشد كما يفعل الموفقون الذين إذا رأوا سبيل الرشد اتخذوه سبيلا فيمشي بهم إلى السعادة الأبدية فكانت إجابة الحق إياهم حين دعوه و نهاية طريقهم إلى ما فرحت به نفوسهم من تحليل ما كان حرم عليهم في حال صومهم من أول اليوم إلى آخره [أحل لكم ليلة الصيام]فقال ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ﴾ [البقرة:187] أي الليلة التي انتهى صومكم إليها لا الليلة التي تصبحون فيها صائمين فهي صفة تصحبكم لي ليلة عيد الفطر و لو كانت إضافة ليلة الصيام إلى المستقبل لم تكن ليلة عيد الفطر فيها فإنك لا تصبح يوم العيد صائما و لو صمت فيه لكنت عاصيا و لا يلزم هذا في أول ليلة من رمضان فإن الأكل و أمثاله كان حلالا قبل ذلك فما زال مستصحب الحكم فلهذا جعلناه للصوم الماضي ﴿اَلرَّفَثُ﴾ [البقرة:187] يعني الجماع ﴿إِلىٰ نِسٰائِكُمْ﴾ فجاء بالنساء و لم يقل الأزواج و لا غير ذلك فإن في هذا الاسم معنى ما في النساء و هو التأخير فقد كن أخرن عن هذا الحكم الذي هو الجماع زمان الصوم إلى الليل فلما جاء الليل زال حكم التأخير بالإحلال فكأنه يقول إلى ما أخرتم عنه و أخرن عنه من أزواجكم و ما ملكت أيمانكم ممن هو محل الوطء ﴿هُنَّ لِبٰاسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبٰاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة:187] أي المناسبة بينكم صحيحة ما هي مثل ما تلبستم بنا في صومكم حيث اتصفتم بصفة هي لي و هو الصوم فلستم لباسا لي في «قولي وسعني قلب عبدي» و لست لباسا لكم في قولي ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ [النساء:126] فإن اللباس يحيط بالملبوس به و يستره [علم اللّٰه أنكم كنتم تختانون أنفسكم]﴿عَلِمَ اللّٰهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتٰانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة:187] من الخيانة لشهادتي عليكم حين قبلتم الأمانة لما عرضتها عليكم فقلت في حاملها ﴿إِنَّهُ كٰانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ [الأحزاب:72] ظلوما لنفسه بأن كلفها ما لا يدري علم اللّٰه فيه عند حمله إياها جهولا بقدرها و ما يتعلق من الذم به إذ أمن خان فيها و لما كان الجهول ﴿أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ [الإسراء:72] لا يدري كيف يضع رجله و لا يرى أين يضع رجله قال ﴿عَلِمَ اللّٰهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتٰانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة:187] لما حجر عليكم فيما حجره عليكم ﴿فَتٰابَ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة:54] أي رجع عليكم ﴿وَ عَفٰا عَنْكُمْ﴾ [البقرة:187] أي بالقليل الذي أباحه لكم من زمان الإحلال الذي هو الليل و إنما جعله قليلا لبقاء التحجير فيه في المباشرة للمعتكف في المساجد بلا خلاف و في غير المسجد بخلاف و المواصل ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة:187] و هو زمان الفطر في رمضان ﴿وَ ابْتَغُوا مٰا كَتَبَ اللّٰهُ لَكُمْ﴾ [البقرة:187] و اطلبوا ما فرض اللّٰه من أجلكم حتى تعلموه فتعملوا به من كل ما ذكره في هذه الآية ﴿وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا﴾ [البقرة:187] أمر بإعطاء ما عليك لنفسك من حق الأكل و الشرب ﴿حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ﴾ [البقرة:187] إقبال النهار ﴿مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ [البقرة:187] إدبار الليل ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة:187] الانفجار الضوء في الأفق [ثم أتموا الصيام إلى الليل]﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ وَ لاٰ تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ﴾ [البقرة:187] فأبقى تحجير الجماع على من هذه حالته و كذلك في الأكل و الشرب للذي ينوي الوصال في صومه «يقول صلى اللّٰه عليه و سلم من كان مواصلا فليواصل حتى السحر» و هو اختلاط الضوء و الظلمة يريد في وقت ظهور ذنب السرحان ما بين الفجرين المستطيل و المستطيل و واصل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم بأصحابه يومين و رأوا الهلال تلك حدود اللّٰه التي أمركم أن تقفوا عندها فلا تقربوها لئلا تشرفوا على ما وراءها و هنا علم غامض لا يعلمه إلا من أعطيه ذوقا عناية إلهية كالخضر و غيره فربما تزل ﴿قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهٰا وَ تَذُوقُوا السُّوءَ﴾ [النحل:94] ﴿كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ اللّٰهُ آيٰاتِهِ﴾ [البقرة:187] أي دلائله للناس إشارة فيتذكر بها ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [البقرة:187] يتخذون تلك الدلائل وقاية من التقليد و الجهل فإن المقلد ما هو على بينة من ربه و ما هو صاحب دلالة و جعله بمعنى الترجي لأنه ما كل من رزق الدليل و وصل إلى المدلول و حصل له العلم وفق لاستعمال ما علمه إن كان من العلوم التي غايتها العمل |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |