الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
و ذهبت طائفة إلى تكفير من منع فريضة من الفرائض و إن لم يجحد وجوبها (وصل الاعتبار في ذلك)اعلم أن في نفس المؤمن حظ الجنان و من فيه منها الزكاة و لله ما بقي و هو الذي يصح فيه البيع و إلى هذا ذهبت جماعة المحققين من أهل طريق اللّٰه لتعدد أصناف من تجب لهم الزكاة من أنفسهم عليهم فالجنة فيها أصناف يطلبون من نفس المؤمن ما يستحقونه و هي الزكاة فالقصر يطلبه بالسكنى و الزوجات يطلبنه بما احتجن إليه منه فالثمانية الأعضاء المكلفة من الإنسان كما يجب فيها الزكاة على الإنسان كذلك لها نسبة في أن تأخذ الزكاة من جهة أخرى فيقوم ما في الجنان مقام من يقسم عليهم ما يليق به [مانع الزكاة من نفسه هو ظالم لها]فمن منع الزكاة من نفسه عن أحد هؤلاء الأصناف و هو مقر بها أنها واجبة عليه فهو ظالم غير كافر إلا في الصلاة خاصة فإن تاركها كافر فإن الشرع سماه كافرا بمجرد الترك و ما أدري ما أراد و إنما مانع الزكاة فهو ظالم حيث مسك حق الغير الذي يجب لهم و سأذكر بعد هذا إن شاء اللّٰه ما تجب فيه الزكاة ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] (وصل في ذكر ما تجب فيه الزكاة)اتفق العلماء على إن الزكاة تجب في ثمانية أشياء محصورة في المولدات من معدن و نبات و حيوان فالمعدن الذهب و الفضة و النبات الحنطة و الشعير و التمر و الحيوان الإبل و البقر و الغنم هذا هو المتفق عليه و هو الصحيح عندنا و أما الزبيب ففيه خلاف (الاعتبار في ذلك)الزكاة تجب من الإنسان في ثمانية أعضاء البصر و السمع و اللسان و اليد و البطن و الفرج و الرجل و القلب ففي كل عضو و على كل عضو من هذه الأعضاء صدقة واجبة يطلب اللّٰه بها العبد في الدار الآخرة و أما صدقة التطوع فعلى كل عرق في الإنسان صدقة كما «قال صلى اللّٰه عليه و سلم يصبح على كل سلامي من الإنسان صدقة» و السلامي عروق ظهر الكف و قيل العروق فكل تسبيحة صدقة و كل تهليلة صدقة و كذلك التحميد و التكبير [زكاة الأعضاء الثمانية من الإنسان و زكاة الأصناف الثمانية من المال]فالزكاة التي في هذه الأعضاء هي حق اللّٰه تعالى الذي أوجبها على الإنسان من هذه الأعضاء الثمانية كما أوجبها في هذه الثمانية من الذهب و الورق و سائر ما ذكرنا مما تجب فيه الزكاة بالاتفاق فتعين على المؤمن أداء حق اللّٰه تعالى في كل عضو فزكاة البصر ما يجب لله تعالى فيه من الحق كالغض عن المحرمات و النظر فيما يؤدي النظر إليه من القربة عند اللّٰه كالنظر في المصحف و في وجه العالم و في وجه من يسر بنظرك إليه من أهل و ولد و أمثالهم و كالنظر إلى الكعبة إذا كنت لها مجاورا فإنه قد ورد أن للناظر إلى الكعبة عشرين رحمة في كل يوم و للطائف بها ستين رحمة و على هذا النحو تنظر في جميع الأعضاء المكلفة في الإنسان من تصرفها فيما ينبغي و كفها عما لا ينبغي (بيان و إيضاح)و اعلم أن هذه الأصناف قد أحاطت بمولدات الأركان كما قلنا و هي المعدن و النبات و الحيوان و ما ثم رابع ففرض اللّٰه الزكاة في أنواع مخصوصة من كل جنس من المولدات لطهارة الجنس فتطهر النوع بلا شك من الدعوى التي حصلت فيه من الإنسان بالملك فإن الأصل فيه الطهارة من حيث إنه ملك لله مطلقا [الأصل الذي ظهرت عنه الأشياء]و ذلك أن الأصل الذي ظهرت عنه الأشياء من أسمائه القدوس و هو الطاهر لذاته من دنس المحدثات فلما ظهرت الأشياء في أعيانها و حصلت فيها دعاوى الملاك بالملكية طرأ عليها من نسبة الملك إلى غير منشئها ما أزالها عن الطهارة الأصلية التي كانت لها من إضافتها إلى منشئها قبل أن يحلقها هذا الدنس العرضي بملك الغير لها و كفى بالحدث حدثا و هذه الأجناس لا تصرف لها في أنفسها فأوجب اللّٰه على مالكها فيها الزكاة و جعل ذلك طهارتها فعين اللّٰه فيها نصيبا يرجع إلى اللّٰه عن أمر اللّٰه لينسبها إلى مالكها الأصلي فتكتسب الطهارة فإن الزكاة إنما جعلها اللّٰه طهارة الأموال و كذلك في الاعتبار [الأعضاء الثمانية من الإنسان المكلفة طاهرة بحكم الأصل]فإن هذه الأعضاء المكلفة هي طاهرة بحكم الأصل فإنها على الفطرة الأولى و لا تزول عنها تلك الطهارة و العدالة ألا تراها تستشهد يوم القيامة و تقبل شهادتها لزكاتها الأصلية و عدالتها فإن الأصل في الأشياء العدالة لأنها عن أصل طاهر و الجرحة طارئة قال تعالى ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً﴾ [الإسراء:36] و قال ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ﴾ [النور:24] و قال تعالى ﴿وَ قٰالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنٰا﴾ [فصلت:21] و قال تعالى ﴿وَ مٰا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لاٰ أَبْصٰارُكُمْ وَ لاٰ جُلُودُكُمْ﴾ [فصلت:22] فهذا كله إعلام من اللّٰه لنا أن كل جزء فينا شاهد عدل زكى مرضي و ذلك بشرى خير لنا ﴿وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:187] صورة |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||




