على العلم فقال ﴿آتَيْنٰاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنٰا وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً﴾ [الكهف:65] و «قد ورد أن اللّٰه يقول لعبده ادعني بلسان لم تعصني به» و هو لسان أمثالي من العصاة فكيف بلسان الملائكة الذين ﴿لاٰ يَعْصُونَ اللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم:6] فالجهر بالقراءة فيها أولى فإن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم جهر بالقرآن فيها أعني في صلاة الاستسقاء
(وصل اعتبار تحويل
الرداء)
إشارة إلى تحويل الحال الذي أخرجهم من الجدب إلى الخصب و من حال شظف العيش إلى رغده فإن ذلك من الفال الحسن كما تحول أهل هذا المصر في خروجهم إلى الاستسقاء من حال البطر و الأشر و كفران النعم إلى حال التوبة و الافتقار و إظهار الفاقة و المسكنة فطلبوا التحويل بالتحويل و لسان الأفعال أفصح من لسان الأقوال فإنهم القائلون بذلك الفعل أي ربنا ﴿إِنّٰا هُدْنٰا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف:156] و رجعنا عما كنا عليه من مخالفتك فإن التنعم بالنعم و ما كنا فيه من الخصب على جهة البطر أوجب لنا الجدب و القحط و نرجو بكرمك إن توجب لنا الافتقار و الذلة و المسكنة و الخشوع و الخصب فإن الشيء لا يقابل إلا بضده حتى ينتجه
[الشاكر في حال شكره فقير إلى ما ليس عنده]
فإن قلت فقوله تعالى ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [ابراهيم:7] قلنا الشاكر في حال شكره هو عين فقره إلى ما ليس عنده و هو الزيادة التي تزاد له على النعمة التي يكون فيها و هي نعمة باطنة و هي توبته التي أعطاه اللّٰه في باطنه و ظاهره و هي نعمة توجب الشكر و الشكر يطلب المزيد فتعمه النعمة ظاهرا بنزول المطر و باطنا بالحمد على ما أنعم اللّٰه به عليهم
شكر لنعمة ربي نعمة أخرى *** منه علي لهذا يطلب الشكرا
فقير إليه و ما عندي سوى نعم *** من الإله بها إرساله تترى
هو الغني و فقري منة ظهرت *** منه علي فنلت الزهو و الفخرا
بالفقر فخري و بالفاقات سلطنتي *** على الوجود فلا أدري و لا أدري
[متجر الموفقين الصادقين]
أ لا ترى التاجر رب المال الغزير و الخير الكثير الذي لو قسم ما له عليه و على أهله و أولاده و أتباعه طول أعمارهم لكفاهم و فضل عنهم و مع هذا يخاطر بما له و نفسه في ركوب البحار و السبل المخوفة في طلب زيادة درهم فما أخرجه عن أهله و هون عليه مفارقة وطنه و ولده و دعته و أحوجه إلى ركوب هذه الأخطار إلا فقره و توهمه تحصيل هذا الدرهم الزائد على ما عنده و ربما تلفت نفسه و ماله بغرق أو قطاع طريق أو أسر المحقق عنده الحاصل في أمر متوهم يمكن أن يحصل و يمكن أن لا يحصل فإذا أراد من هذه حالته من التجار و تخرجه فاقته و لا بد له من السفر فليحول نيته إلى نية أخرى فينظر إلى الجهة التي يقصدها في سفره و يعلم أن اللّٰه قد سخر عباده في قضاء حوائج بعضهم لبعض فيقول إن البلد الفلاني يحتاجون إلى كذا و كذا و يذكر السلع التي يطلبها أهل ذلك البلد يا رب فإن قعدت أنا و غيري و لم أحمل إليهم هذا الذي يحتاجون إليه كلفناهم التعب و مفارقة الأولاد بالوصول إلينا لتحصيل ما يحتاجون إليه فنحن نؤثر تعبنا على تعبهم و نحمل إليهم ما يحتاجون إليه و يكون ما يكسبه من زيادة الدرهم تبعا لهذه النية هكذا يكون متجر الموفقين الصادقين الذين «قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم فيهم في الحديث الصحيح التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع» ﴿اَلنَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدٰاءِ﴾ [النساء:69] فانظر ما أحسن هذه النسبة بهذا التنبيه فإن النبي صلى اللّٰه عليه و سلم و الأنبياء عليهم السلام جاءوا من عند اللّٰه إلى عباد اللّٰه بما يحتاجون إليه مما فيه سعادتهم فأجروا على ذلك الأجر التام و هذا حال التاجر لمن عقل يقول تعالى ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلىٰ تِجٰارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ﴾ [الصف:10] مع حصول المشقة في ذلك من مفارقة الأهل في دخوله في الايمان دونهم و مفارقة الوطن بالهجرة إلى دار الإسلام فانظر ما أعجب كلام النبوة
[التاجر الذي باع بنسيئة إلى أجل معلوم]
و هذا كله من تحويل الحالات لهذا يحول رداءه من يستسقي و من لم يوفق إلى هذا النظر الذي له فيه الأجر التام و المعرفة الصحيحة أخرجه ما يخرج الناس اليوم و هو الفقر الذي قام به لطلب تلك الزيادة المتوهمة التي يمكن أن تحصل و يمكن أن لا تحصل مع كثرة المال الذي يقع له به الغني لو استغنى فلما لم يكن عنده غنى في نفسه بما عنده و قام به الخوف على ماله و الفقر إلى الزيادة خاطر بنفسه و ماله و عمي عن علمه بأن المسافر و ماله على قلة فأزعجه هذا الفقر المتوهم و حال بينه و بين أهله و ولده و أحبابه و هو على غاية من السرور و الفرح بذلك السفر لتوهمه حصول الأرباح فحال الشاكر و فقره إلى طلب الزيادة