الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() و السجود فيقول العارف بعد تسبيحه ربه بالتعظيم كما أوردناه يقول اللهم لك ركعت أي من أجل عزك و علوك في كبريائك خضعت تعظيما لك يقول لقيوميتك التي لا تنبغي إلا لك فإني لما قمت بين يديك لم أقم إلا امتثالا لأمرك حيث قلت ﴿وَ قُومُوا لِلّٰهِ﴾ [البقرة:238] فقمت و أنا أخضع في ركوعي من خاطر ربما خطر لي في حال قيامي إني قمت لنفسي فاعترف بين يديك بركوعي إني لك ركعت و بك آمنت يقول بسببك أي بتأييدك صدقت لا بحولي و لا بقوتي أي لا حول لي و لا قوة إلا بك إذ كانت القلوب بيدك التي هي محل الايمان و لك أسلمت أي من أجلك كان انقيادي و لولاك ما تغيرت أحوالي معك في عباداتي فإنك الذي شرعت لي ذلك على لسان رسولك فعلا و قولا صلى اللّٰه عليه و سلم فصلى و ذكر ثم أمرنا «فقال صلوا كما رأيتمونى أصلي» و أنت القائل ﴿وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ﴾ [ النجم:3] فعلمنا أنه مأمور بأن يأمرنا فذلك أمرك لا أمره فإنك القائل ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ﴾ [النساء:80] ثم يقول خشع لك سمعي فيما كلمتني به في حال مناجاتي إياك بكلامك ثم يقول و بصري بواو التشريك و ما ثم إلا الخشوع فكأنه يقول و خشع لك بصري حياء منك لعلمي بأنك تراني في حال ركوعي بين يديك فإنك في قبلتي كما أخبرني رسولك صلى اللّٰه عليه و سلم فأمرني أن أجعلك مشهودا في صلاتي كأني أراك بل يا ربي و إن مثلت في نفسي إني أراك فما أقدر أن أنكر علمي أنك تراني و ما سبب الحياء مني إلا علمي بأنك تراني لا بأني أراك فإنه لا يعزب عنك ﴿مِثْقٰالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ لاٰ فِي الْأَرْضِ﴾ [ سبإ:3] يا من ﴿يُدْرِكُ الْأَبْصٰارَ﴾ [الأنعام:103] و ﴿لاٰ تُدْرِكُهُ الْأَبْصٰارُ﴾ [الأنعام:103] و يقول و مخي و عظمي و عصبي فإنك جعلت في كل ما ذكرت قوة يكون بها قوام نشأتي و ثبات هيكلي لتحصل نفسي بهذه القوي لبقاء هذه الصورة المكلفة ما أمرتها به أن تحصله من المعرفة بك فربما خطر لمخي و عظمي و عصبي الموصوفين بالخشوع لك لما كانت أسبابا لما ذكرناه فيدركها لذلك عجب و زهو فوجب على كل واحدة من هؤلاء أن يخشع لك بتبريه من الحول و القوة في السببية بأنك أنت الذي تحفظ على قوام نشأتي لتحصيل معارفي [عند ما يرفع العارف رأسه من الركوع]فإذا رفع العارف رأسه من الركوع يقول نيابة عن ربه سمع نفسه خطاب ربه سمع اللّٰه لمن حمده في قوله في حال ركوعه سبحان ربي العظيم و كل حمد و ثناء حمده به و أثنى عليه به من أول شروعه في صلاته ثم يرد بربه على ربه بحضور نفسه من كونها بربه بتأييده إياها في حولها و قوتها فيقول اللهم ربنا فيحذف حرف النداء لأن المصلي في حال قرب و النداء يؤذن بالبعد و أبقى المنادي و هو لبقاء نفسه في جواب ربه فيقول لك الحمد أي الثناء التام بما هو لك و منك فلا حامد و لا محمود إلا أنت و لك عواقب كل مثن في العالم و كل مثنى عليه و هو قوله ملء السموات و ملء الأرض و ملء ما بينهما و ملء ما شئت من شيء بعد يقول كل جزء من العالم العلوي و السفلي و ما بينهما و ما في الإمكان من الممكنات مما توجده و يبقى في العدم عينا ثابتة كل جزء منه معلوم بحكم الوجود و التقدير له ثناء خاص عليك من حيث عينه و إفراده و جمعه بغيره في قليل الجمع و كثيره أحمدك بلسانه و بلسان كل حامد من حمدك لنفسك و حمد من سواك لك فيكون لهذا الحامد بهذه الألسنة جميع ما يستدعيه من التجلي الإلهي و من الأجور المحسوسة لأجل طبيعته و تركيبه فإنه حمده لسانا و قلبا ظاهرا و باطنا و قوله أحق ما قال العبد أي أوجب ما يقوله عبد مثلي و لي أمثال لسيد مثلك و لا مثل لك و كلنا لك عبد يقول أنوب عن أمثالي و هم جميع الممكنات موجودها و معدومها ممن يقول بك في علمه عن حضور و ممن يقول بنفسه عن غيبة فأنوب عنهم في حمدك لمعرفتي بك التي منحتني و جهلهم بما ينبغي لجلالك لا مانع لما أعطيت من الاستعداد لقبول تجل مخصوص و علوم مخصوصة و لا معطي لما منعت و إذا لم تعط استعدادا عاما فما ثم سيد غيرك يعطي ما لم تعطه أنت و لا ينفع ذا الجد منك الجد أي من كان له حظ في الدنيا من سلطان و جاه و مال و تحكم بغيرك في علمه لا في نفس الأمر لم ينفعه ذلك عندك في الآخرة عند كشف الغطاء (فصل بل وصل في السجود في الصلاة)[التسبيح في السجود]فإذا سجد و سبح بربه الأعلى و بحمده كما تقدم يقول في سجوده بعد تسبيحه اللهم لك سجدت و بك آمنت و لك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه و شق سمعه و بصره ﴿فَتَبٰارَكَ اللّٰهُ أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ﴾ [المؤمنون:14] اللهم اجعل في قلبي نورا و في سمعي نورا و في بصري نورا و عن يميني نورا و عن شمالي نورا و أمامي نورا و خلفي نورا و فوقي نورا و تحتي نورا و اجعل لي نورا و اجعلني نورا يقول العارف سجد وجهي أي حقيقتي فإن وجه الشيء حقيقته للذي خلقه أي قدره من اسمه |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |