المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة المؤمنون: [الآية 14]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة المؤمنون | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)
[ «وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ» ]
فأمر نبيه أن يقول «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ» هذه الفرق التي وفّت النظر استطاعتها التي آتيتها ، فلم تصل إلا إلى التعطيل أو الشرك «وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ» فإنهم ما تعدوا ما آتاهم اللّه ، فيشفع هنا فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من حيث لا يشعرون ، فإذا نالتهم السعادة بالخروج من النار ، وقد غفر لهم اللّه بسؤال الرسول فيهم إذ قال «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ» حين أمره اللّه بذلك ، وما أمره بهذا الدعاء إلا ليجيبه ، فأجابه في ذلك ، فعرفوا قدر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عند ذلك إذا دخلوا الجنة ، فينتمون إليه فيها لأنه السيد الأكبر ، وهذا الدعاء يعم كل من هو بهذه المثابة من وقت آدم إلى نفخة الصعق ، لأنه ما خصص في دعوته إلا من هذه صفته ، ومن ينبغي أن يرحم ويغفر له ، فكل موحد للّه ولو بدليله وإن لم يكن مؤمنا ففي الجنة ، يدخله اللّه خاصة لا غيره ، ويشفع المؤمنون والأنبياء في أهل الكبائر من أهل الإيمان ، لأن الأنبياء بعثت بالخير وهو الإيمان ، والموحدون الذين لم يؤمنوا لكونهم ما بعث إليهم رسول ، أو كانوا في فترة ، فهم الذين يحشر كل واحد منهم أمة وحده ، فإن بعث في أمة - هو فيهم - رسول فلم يؤمن به مع علمه بأحدية خالقه دخل النار ، فما يخرج منها إلا بإخراج خالقه ، لأن الخلود في النار لا يكون بالنص لأهل التوحيد بأي وجه حصل لهم ، قال صلّى اللّه عليه وسلم [ من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا اللّه دخل الجنة ]
ولم يقل يقول ولا يؤمن ، وإنما ذكر العلم خاصة ، فلا يبقى في النار إلا مشرك أو معطل لا عن شبهة ولا عن نظر مستوف في النظر قوته ، فلم يبق في النار إلا المقلدة الذين كان في قوتهم واستعدادهم أن ينظروا فما نظرو
- مسئلة -قوله تعالى : «خَيْرُ الرَّاحِمِينَ» من باب المفاضلة ، فمعلوم أنه ما يرحم أحد من المخلوقين أحدا إلا بالرحمة التي أوجدها الرحمن فيه ، فهي رحمته تعالى ، لا رحمتهم ، ظهرت
في صورة مخلوق ، كما قال في [ سمع اللّه لمن حمده ] أن ذلك القول هو قول اللّه على لسان عبده ، فقوله تعالى الذي سمعه موسى أتم في الشرف من قوله تعالى على لسان قائل ، فوقع التفاضل بالمحل الذي سمع منه القول المعلوم أنه قول اللّه ،
وكذلك أيضا رحمته من حيث ظهورها من مخلوق أدنى من رحمته بعبده في غير صورة مخلوق ، فتعيّن التفاضل والأفضلية بالمحال ، إلا أن رحمة اللّه بعبده في صورة المخلوق تكون عظيمة ، فإنه يرحم عن ذوق ، فيزيل برحمته ما يجده الراحم من الألم في نفسه من هذا المرحوم ، والحق ليس كذلك ، فرحمته خالصة لا يعود عليه منها إزالة ألم ، فهو خير الراحمين ، فرحمة المخلوق عن شفقة ورحمة اللّه مطلقة .
(24) سورة النّور مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(118) الفتوحات ج 3 / 285 ، 553تفسير ابن كثير:
ولهذا قال هاهنا : ( ثم خلقنا النطفة علقة ) أي : ثم صيرنا النطفة ، وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل وهو ظهره وترائب المرأة وهي عظام صدرها ما بين الترقوة إلى الثندوة فصارت علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة . قال عكرمة : وهي دم .
( فخلقنا العلقة مضغة ) : وهي قطعة كالبضعة من اللحم ، لا شكل فيها ولا تخطيط ، ( فخلقنا المضغة عظاما ) يعني : شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها .
وقرأ آخرون : ( فخلقنا المضغة عظاما ) .
قال ابن عباس : وهو عظم الصلب .
وفي الصحيح ، من حديث أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل جسد ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب ، منه خلق ومنه يركب " .
( فكسونا العظام لحما ) أي : وجعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه ، ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) أي : ثم نفخنا فيه الروح ، فتحرك وصار ) خلقا آخر ) ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب ( فتبارك الله أحسن الخالقين )
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا يحيى بن حسان ، حدثنا النضر يعني : ابن كثير ، مولى بني هاشم حدثنا زيد بن علي ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : إذا أتمت النطفة أربعة أشهر ، بعث إليها ملك فنفخ فيها الروح في الظلمات الثلاث ، فذلك قوله : ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) يعني : نفخنا فيه الروح .
وروي عن أبي سعيد الخدري أنه نفخ الروح .
قال ابن عباس : ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) يعني به : الروح . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والشعبي ، والحسن ، وأبو العالية ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، والسدي ، وابن زيد ، واختاره ابن جرير .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) يعني : ننقله من حال إلى حال ، إلى أن خرج طفلا ثم نشأ صغيرا ، ثم احتلم ، ثم صار شابا ، ثم كهلا ثم شيخا ، ثم هرما .
وعن قتادة ، والضحاك نحو ذلك . ولا منافاة ، فإنه من ابتداء نفخ الروح [ فيه ] شرع في هذه التنقلات والأحوال . والله أعلم .
قال الإمام أحمد في مسنده : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الله هو ابن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الصادق المصدوق : " إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات : رزقه ، وأجله ، وعمله ، وهل هو شقي أو سعيد ، فوالذي لا إله غيره ، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها " .
أخرجاه من حديث سليمان بن مهران الأعمش .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش ، عن خيثمة قال : قال عبد الله يعني : ابن مسعود إن النطفة إذا وقعت في الرحم ، طارت في كل شعر وظفر ، فتمكث أربعين يوما ، ثم تتحدر في الرحم فتكون علقة .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا حسين بن الحسن ، حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء بن السائب ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عبد الله قال : مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه ، فقالت قريش : يا يهودي ، إن هذا يزعم أنه نبي . فقال : لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي . قال : فجاءه حتى جلس ، فقال : يا محمد مم يخلق الإنسان؟ فقال : " يا يهودي ، من كل يخلق ، من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة ، فأما نطفة الرجل فنطفة غليظة منها العظم والعصب ، وأما نطفة المرأة فنطفة رقيقة منها اللحم والدم " فقام اليهودي فقال : هكذا كان يقول من قبلك .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن عمرو ، عن أبي الطفيل ، حذيفة بن أسيد الغفاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين ليلة ، فيقول : يا رب ، ماذا؟ أشقي أم سعيد؟ أذكر أم أنثى؟ فيقول الله ، فيكتبان . فيقولان : ماذا؟ أذكر أم أنثى؟ فيقول الله عز وجل ، فيكتبان ويكتب عمله ، وأثره ، ومصيبته ، ورزقه ، ثم تطوى الصحيفة ، فلا يزاد على ما فيها ولا ينقص " .
وقد رواه مسلم في صحيحه ، من حديث سفيان بن عيينة ، عن عمرو وهو ابن دينار به نحوه . ومن طرق أخرى ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن حذيفة بن أسيد أبي سريحة الغفاري بنحوه ، والله أعلم .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا عبيد الله بن أبي بكر ، عن أنس; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله وكل بالرحم ملكا فيقول : أي رب ، نطفة . أي رب ، علقة أي رب ، مضغة . فإذا أراد الله خلقها قال : يا رب ، ذكر أو أنثى؟ شقي أو سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ " قال : " فذلك يكتب في بطن أمه " .
أخرجاه في الصحيحين من حديث حماد بن زيد به .
وقوله : ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) يعني : حين ذكر قدرته ولطفه في خلق هذه النطفة من حال إلى حال ، وشكل إلى شكل ، حتى تصورت إلى ما صارت إليه من الإنسان السوي الكامل الخلق ، قال : ( فتبارك الله أحسن الخالقين )
قال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا علي بن زيد ، عن أنس ، قال : قال عمر يعني : ابن الخطاب رضي الله عنه : وافقت ربي ووافقني في أربع : نزلت هذه الآية : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) الآية ، قلت أنا : فتبارك الله أحسن الخالقين . فنزلت : ( فتبارك الله أحسن الخالقين )
وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شيبان ، عن جابر الجعفي ، عن عامر الشعبي ، عن زيد بن ثابت الأنصاري قال : أملى علي رسول الله هذه الآية : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) إلى قوله : ( خلقا آخر ) ، فقال معاذ : ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له معاذ : مم ضحكت يا رسول الله؟ قال : " بها ختمت ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) .
جابر بن يزيد الجعفي ضعيف جدا ، وفي خبره هذا نكارة شديدة ، وذلك أن هذه السورة مكية ، وزيد بن ثابت إنما كتب الوحي بالمدينة ، وكذلك إسلام معاذ بن جبل إنما كان بالمدينة أيضا ، فالله أعلم .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ } التي قد استقرت قبل { عَلَقَةً } أي: دما أحمر، بعد مضي أربعين يوما من النطفة، { فخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ } بعد أربعين يوما { مُضْغَةً } أي: قطعة لحم صغيرة، بقدر ما يمضغ من صغرها.
{ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ } اللينة { عِظَامًا } صلبة، قد تخللت اللحم، بحسب حاجة البدن إليها، { فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا } أي: جعلنا اللحم، كسوة للعظام، كما جعلنا العظام، عمادا للحم، وذلك في الأربعين الثالثة، { ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ } نفخ فيه الروح، فانتقل من كونه جمادا، إلى أن صار حيوانا، { فَتَبَارَكَ اللَّهُ } أي: تعالى وتعاظم وكثر خيره { أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } { الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون } فخلقه كله حسن، والإنسان من أحسن مخلوقاته، بل هو أحسنها على الإطلاق، كما قال تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } ولهذا كان خواصه أفضل المخلوقات وأكملها.
تفسير البغوي
( ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما ) قرأ ابن عامر وأبو بكر " عظما " ، ( فكسونا العظام ) على التوحيد فيهما ، وقرأ الآخرون بالجمع لأن الإنسان ذو عظام كثيرة . وقيل : بين كل خلقين أربعون يوما . ( فكسونا العظام لحما ) أي ألبسنا ، ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) اختلف المفسرون فيه ، فقال ابن عباس : ومجاهد ، والشعبي ، وعكرمة ، والضحاك ، وأبو العالية : هو نفخ الروح فيه . وقال قتادة : نبات الأسنان والشعر . وروى ابن جريج عن مجاهد : أنه استواء الشباب . وعن الحسن قال : ذكرا أو أنثى . وروى العوفي عن ابن عباس : أن ذلك تصريف أحواله بعد الولادة من الاستهلال إلى الارتضاع ، إلى القعود إلى القيام ، إلى المشي إلى الفطام ، إلى أن يأكل ويشرب ، إلى أن يبلغ الحلم ، ويتقلب في البلاد إلى ما بعدها .
( فتبارك الله ) أي : استحق التعظيم والثناء بأنه لم يزل ولا يزال . ( أحسن الخالقين ) المصورين والمقدرين . و " الخلق " في اللغة : التقدير . وقال مجاهد : يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين ، يقال : رجل خالق أي : صانع .
وقال ابن جريج : إنما جمع الخالقين لأن عيسى كان يخلق كما قال : " إني أخلق لكم من الطين " ( آل عمران - 49 ) فأخبر الله عن نفسه بأنه أحسن الخالقين .
الإعراب:
(ثُمَّ) عاطفة (خَلَقْنَا) ماض وفاعله والجملة معطوفة (النُّطْفَةَ) مفعول به أول (عَلَقَةً) مفعول به ثان (فَخَلَقْنَا) الفاء عاطفة وماض وفاعله (الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) مفعولان لخلقنا (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) الجملة معطوفة وإعرابها كسابقتها (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) إعرابها مثل سابقتها (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً) إعرابها كسابقها (آخَرَ) صفة خلقنا (فَتَبارَكَ) الفاء استئنافية وماض والجملة مستأنفة (اللَّهُ) لفظ الجلالة فاعل (أَحْسَنُ) بدل والجملة مستأنفة (الْخالِقِينَ) مضاف اليه مجرور بالياء