الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)الإجماع في الدلالة على الحكم المشروع مقام النص من الكتاب أو السنة المتواترة التي تفيد العلم فهذا يكون استجمارك في هذه الطهارة [سر المضمضة الروحاني]ثم مضمض بالذكر الحسن لتزيل به الذكر القبيح من النميمة و الغيبة و الجهر بالسوء من القول فلتكن مضمضتك بالتلاوة و ذكر اللّٰه و إصلاح ذات البين و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر قال تعالى ﴿لاٰ يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء:148] و قال ﴿مَشّٰاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [ القلم:11] و قال ﴿لاٰ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوٰاهُمْ إِلاّٰ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاٰحٍ بَيْنَ النّٰاسِ﴾ [النساء:114] و ما أشبه ذلك فهذه طهارة فيك و قد فتحت لك الباب فاجر في وضوئك و غسلك و تيممك في أعضائك على هذا الأسلوب فهو الذي طلبه الحق منك و قد استوفينا الكلام على هذه الطهارة في التنزلات الموصلية فانظرها هنالك نثرا و نظما و قد رميت بك على الطريق [أعضاء التكليف الثمانية من الإنسان]و لتصرف هذه الطهارة بكمالها في كل مكلف منك فإن كل مكلف منك مأمور بجميع العبادات كلها من طهور و صلاة و زكاة و صيام و حج و جهاد و غير ذلك من الأعمال المشروعة و كل مكلف فيك تصرفه في هذه العبادات بحسب ما تطلبه حقيقته ﴿لاٰ يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ مٰا آتٰاهٰا﴾ [الطلاق:7] و قد ﴿أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدىٰ﴾ [ طه:50] أي بين كيف تستعمله فيها و هم ثمانية أصناف لا يزيدون لكن قد ينقصون في بعض الأشخاص و هم العين و الأذن و اللسان و اليد و البطن و الفرج و الرجل و القلب لا زائد في الإنسان عليهم لكن قد ينقصون في بعض أشخاص هذا النوع الإنساني كالأكمه و الأخرس و الأصم و أصحاب العاهات فمن بقي من هؤلاء المكلفين منك فالخطاب يترتب عليه [كتاب مواقع النجوم و ظروف تأليفه]و من خطاب الشارع تعلم جميع ما يتعلق بكل عضو من هؤلاء الأعضاء من لتكاليف و هم كالآلة للنفس المخاطبة المكلفة بتدبير هذا البدن و أنت المسئول عنهم في إقامة العدل فيهم فقد كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إذا انقطع شسع نعله خلع الأخرى حتى يعدل بين رجليه و لا يمشي في نعل واحد و قد بيناها بكمالها و ما لها من الأنوار و الكرامات و المنازل و الأسرار و التجليات في كتابنا المسمى مواقع النجوم ما سبقنا في علمنا في هذا الطريق إلى ترتيبه أصلا و قيدته في أحد عشر يوما في شهر رمضان بمدينة المرية سنة خمس و تسعين و خمسمائة يغني عن الأستاذ بل الأستاذ محتاج إليه فإن الأستاذين فيهم العالي و الأعلى و هذا الكتاب على أعلى مقام يكون الأستاذ عليه ليس وراءه مقام في هذه الشريعة التي تعبدنا بها فمن حصل لديه فليعتمد بتوفيق اللّٰه عليه فإنه عظيم المنفعة و ما جعلني أن أعرفك بمنزلته إلا أني رأيت الحق في النوم مرتين و هو يقول لي أنصح عبادي و هذا من أكبر نصيحة نصحتك بها و اللّٰه الموفق و بيده الهداية و ليس لنا من الأمر شيء و «لقد صدق الكذوب إبليس رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم حين اجتمع به فقال له رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم ما عندك فقال إبليس لتعلم يا رسول اللّٰه أن اللّٰه خلقك للهداية و ما بيدك من الهداية شيء و إن اللّٰه خلقني للغواية و ما بيدي من الغواية شيء لم يزده على ذلك و انصرف و حالت الملائكة بينه و بين رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم» (وصل) [السعادة كل السعادة في الجمع بين الظاهر و الباطن]و بعد أن نبهتك على ما نبهتك عليه مما تقع لك به الفائدة فاعلم أن اللّٰه خاطب الإنسان بجملته و ما خص ظاهره من باطنه و لا باطنه من ظاهره فتوفرت دواعي الناس أكثرهم إلى معرفة أحكام الشرع في ظواهرهم و غفلوا عن الأحكام المشروعة في بواطنهم إلا القليل و هم أهل طريق اللّٰه فإنهم بحثوا في ذلك ظاهرا و باطنا فما من حكم قرروه شرعا في ظواهرهم إلا و رأوا أن ذلك الحكم له نسبة إلى بواطنهم أخذوا على ذلك جميع أحكام الشرائع فعبدوا اللّٰه بما شرع لهم ظاهرا و باطنا ففازوا حين خسر الأكثرون و نبغت طائفة ثالثة ضلت و أضلت فأخذت الأحكام الشرعية و صرفتها في بواطنهم و ما تركت من حكم الشريعة في الظواهر شيئا تسمى الباطنية و هم في ذلك على مذاهب مختلفة و قد ذكر الإمام أبو حامد في كتاب المستظهري له في الرد عليهم شيئا من مذاهبهم و بين خطأهم فيها و السعادة إنما هي مع أهل الظاهر و هم في الطرف و النقيض من أهل الباطن و السعادة كل السعادة مع الطائفة التي جمعت بين الظاهر و الباطن و هم العلماء بالله و بأحكامه [الأمر العام من العبادات و باب البيت]و كان في نفسي إن أخر اللّٰه في عمري أن أضع كتابا كبيرا أقرر فيه مسائل الشرع كلها كما وردت في أماكنها الظاهرة و أقررها فإذا استوفينا المسألة المشروعة في ظاهر الحكم جعلنا إلى جانبها حكمها في باطن الإنسان فيسري حكم الشرع في الظاهر و الباطن فإن أهل طريق اللّٰه و إن كان هذا غرضهم و مقصدهم و لكن ما كل أحد منهم يفتح اللّٰه له في الفهم حتى يعرف ميزان ذلك الحكم في باطنه فقصدنا في هذا الكتاب إلى الأمر العام من العبادات و هي الطهارة و الصلاة |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |