الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() أن يمتد عمره دائما و لو لا أن الشرع عرف بانقضاء مدة هذه الدار و أن كل نفس ذائقة الموت و عرف بالإعادة و عرف بالدار الآخرة و عرف بأن الإقامة فيها في النشأة الآخرة إلى غير نهاية ما عرفنا ذلك و ما خرجنا في كل حال من موت و إقامة و بعث أخروي و نشأة أخرى و جنان و نعيم و نار و عذاب بأكل محسوس و شرب محسوس و نكاح محسوس و لباس على المجرى الطبيعي فعلم اللّٰه أوسع و أتم و الجمع بين العقل و الحس و العقول و المحسوس أعظم في القدرة و أتم في الكمال الإلهي ليستمر له سبحانه في كل صنف من الممكنات حكم عالم الغيب و الشهادة و يثبت حكم الاسم الظاهر و الباطن في كل صنف [المعاد-اى الحشر- هو جسماني و روحاني]فإن فهمت فقد وفقت و تعلم أن العلم الذي أطلع عليه النبيون و المؤمنون من قبل الحق أعم تعلقا من علم المنفردين بما تقتضيه العقول مجردة عن الفيض الإلهي فالأولى بكل ناصح نفسه الرجوع إلى ما قالته الأنبياء و الرسل على الوجهين المعقول و المحسوس إذ لا دليل للعقل يحيل ما جاءت به الشرائع على تأويل مثبتي المحسوس من ذلك و المعقول فالإمكان باق حكمه و المرجح موجود فبما ذا يحيل و ما أحسن قول القائل زعم المنجم و الطبيب كلاهما *** لا تبعث الأجسام قلت إليكما إن صح قولكما فلست بخاسر *** أو صح قولي فالخسار عليكما فقوله فالخسار عليكما يريد حيث لم يؤمنوا بظاهر ما جاءتهم به الرسل عليهم السلام و قوله فلست بخاسر فإني مؤمن أيضا بالأمور المعنوية المعقولة مثلكم و زدنا عليكم بأمر آخر لم تؤمنوا أنتم به و لم يرد القائل به أنه يشك بقوله إن صح و إنما ذلك على مذهبك أيها المخاطب و هذا يستعمل مثله كثيرا فتدبر كلامي هذا و ألزم الايمان نفسك تربح و تسعد إن شاء اللّٰه تعالى [كيفية الإعادة-المعاد-و الحشر و النشر]و بعد أن تقرر هذا فاعلم إن الخلاف الذي وقع بين المؤمنين القائلين في ذلك بالحس و المحسوس إنما هو راجع إلى كيفية الإعادة فمنهم من ذهب إلى أن الإعادة تكون في الناس مثل ما بدأهم بنكاح و تناسل و ابتداء خلق من طين و نفخ كما جرى من خلق آدم و حواء و سائر البنين من نكاح و اجتماع إلى آخر مولود في العالم البشرى الإنساني و كل ذلك في زمان صغير و مدة قصيرة على حسب ما يقدره الحق تعالى هكذا زعم الشيخ أبو القاسم بن قسي في خلع النعلين له في قوله تعالى ﴿كَمٰا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ [الأعراف:29] فلا أدري هل هو مذهبه أو هل قصد شرح المتكلم به و هو خلف اللّٰه الذي جاء بذلك الكلام و كان من الأميين و منهم من قال بالخبر المروي إن السماء تمطر مطرا شبه المني تمخض به الأرض فتنشأ منه النشأة الآخرة و أما قوله تعالى عندنا ﴿كَمٰا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ [الأعراف:29] هو قوله ﴿وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولىٰ فَلَوْ لاٰ تَذَكَّرُونَ﴾ و قوله ﴿كَمٰا بَدَأْنٰا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنٰا﴾ [الأنبياء:104] و قد علمنا إن النشأة الأولى أوجدها اللّٰه تعالى على غير مثال سبق فهكذا النشأة الآخرة يوجدها اللّٰه تعالى على غير مثال سبق مع كونها محسوسة بلا شك و قد ذكر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم من صفة نشأة أهل الجنة و النار ما يخالف ما هي عليه هذه النشأة الدنيا فعلمنا إن ذلك راجع إلى عدم مثال سابق ينشئها عليه و هو أعظم في القدرة و أما قوله ﴿وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم:27] فلا يقدح فيما قلنا فإنه لو كانت النشأة الأولى عن اختراع فكر و تدبر و نظر إلى أن خلق أمرا فكانت إعادته إلى أن يخلق خلقا آخر مما يقارب ذلك و يزيد عليه أقرب للاختراع و الاستحضار في حق من يستفيد الأمور بفكره و اللّٰه منزه عن ذلك و متعال عنه علوا كبيرا فهو الذي يفيد العالم و لا يستفيد و لا يتجدد له علم بشيء بل هو عالم بتفصيل ما لا يتناهى بعلم كلي فعلم التفصيل في عين الإجمال و هكذا ينبغي لجلاله أن يكون [عجب الذنب ما تقوم عليه النشأة الانسانية و هو لا يبلى]فينشئ اللّٰه النشأة الآخرة على عجب الذنب الذي يبقى من هذه النشأة الدنيا و هو أصلها فعليه تركب النشأة الآخرة فأما أبو حامد فرأى إن العجب المذكور في الخبر أنه النفس و عليها تنشأ النشأة الآخرة و قال غيره مثل أبي زيد الرقراقي هو جوهر فرد يبقى من هذه النشأة الدنيا لا يتغير عليه تنشأ النشأة الأخرى و كل ذلك محتمل و لا يقدح في شيء من الأصول بل كلها توجيهات معقولة يحتمل كل توجيه منها أن يكون مقصودا و الذي وقع لي به الكشف الذي لا أشك فيه إن المراد بعجب الذنب هو ما تقوم عليه النشأة و هو لا يبلى أي لا يقبل البلى [النفختان و اشتعال الصور البرزخية بأرواحها]فإذا أنشأ اللّٰه النشأة الآخرة و سواها و عدلها و إن كانت هي الجواهر بأعيانها فإن الذوات الخارجة إلى الوجود من العدم لا تنعدم أعيانها بعد وجودها و لكن تختلف فيها الصور بالامتزاجات و الامتزاجات التي تعطي هذه الصور أعراض تعرض لها بتقدير العزيز العليم فإذا تهيأت هذه الصور |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |