الفتوحات المكية

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  
 

الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)


futmak.com - الفتوحات المكية - الصفحة 523 - من الجزء 4

ذنوبي بلائي فما حيلتي *** إذا كنت في الحشر حمالها

يحاسبها ملك قادر *** فأما عليها و إما لها

قال فتركته و بت ليلتي فلما أصبح عدت إليه و ناديته يا راهب زدني من تلك الحكمة فقال لي صل الفرض و اذكر العرض و لا تطلب من أحد الصلة و لا القرض ثم قال

متى تهجر الدنيا و تنوي بتوبة *** و عمرك للدنيا يساق بها ركضا

فلا بد بعد الموت أن تسكن البلى *** يرضك ثقل اللبن تحت الثرى رضا

و تعطي كتابا فيه كل فضيحة *** و تشهد أهوال القيامة و العرضا

فقم في دياجي الليل لله طائعا *** لعل الذي أسخطته لعسى يرضا

قال فتركته و بت ليلتي فلما أصبح عدت إليه و ناديته يا راهب زدني من تلك الحكمة فقال لي يا هذا شغلتني عن عبادة ربي فقمت إليه مودعا فقال لي كل الصبر و الزم الفقر ثم أنشد

متى تهدي إلى سبل الرشاد *** إذا كنت المصر على الفساد

نهارك لاعبا تغتر فيه *** و ليلك لا تمل من الرقاد

فدع ظلم العباد فليس شيء *** أضر عليك من ظلم العباد

و هي الزاد إنك ذو رحيل *** على السفر البعيد على انفراد

تأهب للذي لا بد منه *** فإن الموت ميقات العباد

يسرك أن تكون زميل قوم *** لهم زاد و أنت بغير زاد

و روينا عن بعض علماء هذا الشأن من أهل اللّٰه الناصحين أنفسهم أنه قال ينبغي لمن علم إن له مقاما بين يدي اللّٰه عزَّ وجلَّ ليسأله عما أسلف في هذه الدار أن لا يؤثر القليل الحقير على الجزيل الكثير و لا التواني و التقصير على الجد و التشمير و لا سيما إذا كان ممن قد أيده اللّٰه منه بإتقان العلم و لقح عقله بدلالات الفهم أن لا يتحير في ظلمة الغفلة التي تحير فيها الجاهلون و العجب كل العجب لأهل هذه الصفة كيف استوحشوا من طاعة اللّٰه و أنسوا بغيره و ركنوا إلى الدنيا و تقلب حالاتها و كثرة آفاتها و لا زادتهم الدنيا إلا هوانا و لا ازدادوا لها إلا إكراما فما مستيقظ من و سنة يخلع وثيق الغل من عنقه و يهتك جلباب الران عن قلبه و إن من أنصح النصحاء لك يا أخي من حملك من أمرك على المحجة و أمرك بالرحلة و لم يحسن لك سوف و أرجو و لعل و يكون فما رأيت هذه الخصال تورث صاحبها إلا الخسارة و الندامة فكابدوا التسويف بالعزم و بادروا التفريط بالحزم فقد وضح لكم الطريق و اللّٰه المستعان و المرشد و الدليل

(وصية)

سئل بعض أهل اللّٰه عن أعون ما يجده العبد على تسكين الشهوة فقال الصيام بالنهار و القيام بالليل و حذف الشهوات و التغافل عنها و ترك محادثة النفس يذكرها فقيل له فإن الرجل يصوم بالنهار و يقوم بالليل و لا يأكل الشهوات و يجد في نفسه حركة و اضطرابا فقال له ذلك من فرط فضل شهوة مقيمة فيه من الأول فليقطع أسباب المادة منها جهده و يمسكها عن نفسه بالهموم و الأحزان و تسكين سلطانها بذكر الموت و تقريب الأجل و قصر الأمل و ما يشغل القلوب اقطع عن نفسك الشهوات و استقبل مراقبة من هو عليك رقيب و المحافظة على طاعة من هو عليك حسيب نسأل اللّٰه تعالى التوفيق على بلاغ الطريق و الخروج من كل ضيق إنه قوي شفيق

(وصية)

في ذكرى قال بعض العلماء من وثق بالمقادير استراح و من صحح استراح و من تقرب قرب و من صفى صفي له و من توكل وثق و من تكلف ما لا يعنيه ضيع ما يعنيه و قيل لبعضهم بم ينال العبد الجنة فقال بحسن استقامة ليس فيها روغان و اجتهاد ليس معه سهو و مراقبة اللّٰه في السر و العلانية و انتظار الموت بالتأهب له و المحاسبة لنفسك قبل أن تحاسب كن عارفا خائفا و لا تكن عارفا واصفا لا تكن خصما لنفسك على ربك تستزيده في رزقك و جاهك و لكن كن خصما لربك على نفسك لا تجمع معك عليك و لا تلق أحدا بعين الازدراء و التصغير و إن كان مشركا خوفا من عاقبتك فلعلك تسلب المعرفة و يرزقها و قال ذو النون تعوذوا بالله من النبطي و قيل من القبطي إذا استغرب و هذه وصية عجيبة مجربة قالها مجرب و لها حكاية قال ذو النون المصري رأيت في بربا بموضع يقال له دندرة مكتوبا فيها احذروا العبيد المعتقين و الأحداث المتغربين و الجند المتعبدين و القبط المستعربين حدثنا بهذا يونس بن يحيى العباسي القصار تجاه الركن اليماني سنة تسع و تسعين و خمسمائة عن أبي بكر بن عبد الباقي عن أبي الفضل بن أحمد عن أحمد بن عبد اللّٰه عن محمد بن إبراهيم قال سمعت عبد الحكم بن أحمد بن سلام يقول سمعت ذا النون يقول الحكاية

(وصية)

إلهية حدثنا العماد عبد اللّٰه ابن الحسن المعروف بابن النحاس قال حدثني بدر الجزري قال قال لي علي بن الخطاب الجزري بالجزيرة و كان من الصالحين رأيت الحق في النوم فقال لي يا ابن الخطاب تمن قال فسكت فقال لي يا ابن الخطاب تمن قال فسكت قال ذلك ثلاثا ثم قال لي في الرابعة يا ابن الخطاب أعرض عليك ملكي و ملكوتي و أقول لك تمن و تسكت فقال قلت يا رب إن نطقت فبك و إن تكلمت فبما تجريه على لساني فما الذي أقول فقال قل أنت بلسانك فقلت يا رب قد شرفت أنبياءك بكتب أنزلتها عليهم فشرفني بحديث ليس بيني و بينك فيه واسطة فقال يا ابن الخطاب من أحسن إلى من أساء إليه فقد أخلص لله شكرا و من أساء إلى من أحسن إليه فقد بدل نعمة اللّٰه كفرا قال فقلت يا رب زدني فقال يا ابن الخطاب حسبك حسبك

(وصية)

بل وصايا إلهية أصدق الوصايا و أنفعها ما ورد في القرآن العزيز من أوامر الحق عباده و نواهيه المنزل ﴿مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت:42] ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ [الشعراء:193] على قلب محمد ﷺ ليكون من المنذرين ﴿بِلِسٰانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء:195] فلنذكر منها ما يسره اللّٰه على لسان مذكر بذلك القلوب الغافلة و تبركا بكلام اللّٰه تعالى و جل فمن ذلك ﴿لاٰ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة:11] ﴿آمِنُوا كَمٰا آمَنَ النّٰاسُ﴾ [البقرة:13] ﴿اُعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة:21] ﴿فَلاٰ تَجْعَلُوا لِلّٰهِ أَنْدٰاداً وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:22] و هنا سر لمن تفكر ﴿فَاتَّقُوا النّٰارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّٰاسُ وَ الْحِجٰارَةُ﴾ [البقرة:24] ﴿بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهٰارُ﴾ [البقرة:25] ﴿أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيّٰايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة:40] ﴿اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة:40] و ﴿آمِنُوا بِمٰا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمٰا مَعَكُمْ وَ لاٰ تَكُونُوا أَوَّلَ كٰافِرٍ بِهِ وَ لاٰ تَشْتَرُوا بِآيٰاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَ إِيّٰايَ فَاتَّقُونِ﴾ [البقرة:41] ﴿وَ لاٰ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبٰاطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:42] ﴿وَ أَقِيمُوا الصَّلاٰةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّٰاكِعِينَ﴾ [البقرة:43] ﴿وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاٰةِ﴾ [البقرة:45] ﴿وَ اتَّقُوا يَوْماً لاٰ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لاٰ يُقْبَلُ مِنْهٰا شَفٰاعَةٌ وَ لاٰ يُؤْخَذُ مِنْهٰا عَدْلٌ وَ لاٰ هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [البقرة:48] ﴿فَتُوبُوا إِلىٰ بٰارِئِكُمْ﴾ [البقرة:54]


مخطوطة قونية
futmak.com - الفتوحات المكية - الصفحة 10723 من مخطوطة قونية
futmak.com - الفتوحات المكية - الصفحة 10724 من مخطوطة قونية
futmak.com - الفتوحات المكية - الصفحة 10725 من مخطوطة قونية
futmak.com - الفتوحات المكية - الصفحة 10726 من مخطوطة قونية
futmak.com - الفتوحات المكية - الصفحة 10727 من مخطوطة قونية
  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  
  الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين.

 

الصفحة - من الجزء (اقتباسات من هذه الصفحة)

[الباب: ] - (مقاطع فيديو مسجلة لقراءة هذا الباب)

البحث في كتاب الفتوحات المكية

الوصول السريع إلى [الأبواب]: -
[0] [1] [2] [3] [4] [5] [6] [7] [8] [9] [10] [11] [12] [13] [14] [15] [16] [17] [18] [19] [20] [21] [22] [23] [24] [25] [26] [27] [28] [29] [30] [31] [32] [33] [34] [35] [36] [37] [38] [39] [40] [41] [42] [43] [44] [45] [46] [47] [48] [49] [50] [51] [52] [53] [54] [55] [56] [57] [58] [59] [60] [61] [62] [63] [64] [65] [66] [67] [68] [69] [70] [71] [72] [73] [74] [75] [76] [77] [78] [79] [80] [81] [82] [83] [84] [85] [86] [87] [88] [89] [90] [91] [92] [93] [94] [95] [96] [97] [98] [99] [100] [101] [102] [103] [104] [105] [106] [107] [108] [109] [110] [111] [112] [113] [114] [115] [116] [117] [118] [119] [120] [121] [122] [123] [124] [125] [126] [127] [128] [129] [130] [131] [132] [133] [134] [135] [136] [137] [138] [139] [140] [141] [142] [143] [144] [145] [146] [147] [148] [149] [150] [151] [152] [153] [154] [155] [156] [157] [158] [159] [160] [161] [162] [163] [164] [165] [166] [167] [168] [169] [170] [171] [172] [173] [174] [175] [176] [177] [178] [179] [180] [181] [182] [183] [184] [185] [186] [187] [188] [189] [190] [191] [192] [193] [194] [195] [196] [197] [198] [199] [200] [201] [202] [203] [204] [205] [206] [207] [208] [209] [210] [211] [212] [213] [214] [215] [216] [217] [218] [219] [220] [221] [222] [223] [224] [225] [226] [227] [228] [229] [230] [231] [232] [233] [234] [235] [236] [237] [238] [239] [240] [241] [242] [243] [244] [245] [246] [247] [248] [249] [250] [251] [252] [253] [254] [255] [256] [257] [258] [259] [260] [261] [262] [263] [264] [265] [266] [267] [268] [269] [270] [271] [272] [273] [274] [275] [276] [277] [278] [279] [280] [281] [282] [283] [284] [285] [286] [287] [288] [289] [290] [291] [292] [293] [294] [295] [296] [297] [298] [299] [300] [301] [302] [303] [304] [305] [306] [307] [308] [309] [310] [311] [312] [313] [314] [315] [316] [317] [318] [319] [320] [321] [322] [323] [324] [325] [326] [327] [328] [329] [330] [331] [332] [333] [334] [335] [336] [337] [338] [339] [340] [341] [342] [343] [344] [345] [346] [347] [348] [349] [350] [351] [352] [353] [354] [355] [356] [357] [358] [359] [360] [361] [362] [363] [364] [365] [366] [367] [368] [369] [370] [371] [372] [373] [374] [375] [376] [377] [378] [379] [380] [381] [382] [383] [384] [385] [386] [387] [388] [389] [390] [391] [392] [393] [394] [395] [396] [397] [398] [399] [400] [401] [402] [403] [404] [405] [406] [407] [408] [409] [410] [411] [412] [413] [414] [415] [416] [417] [418] [419] [420] [421] [422] [423] [424] [425] [426] [427] [428] [429] [430] [431] [432] [433] [434] [435] [436] [437] [438] [439] [440] [441] [442] [443] [444] [445] [446] [447] [448] [449] [450] [451] [452] [453] [454] [455] [456] [457] [458] [459] [460] [461] [462] [463] [464] [465] [466] [467] [468] [469] [470] [471] [472] [473] [474] [475] [476] [477] [478] [479] [480] [481] [482] [483] [484] [485] [486] [487] [488] [489] [490] [491] [492] [493] [494] [495] [496] [497] [498] [499] [500] [501] [502] [503] [504] [505] [506] [507] [508] [509] [510] [511] [512] [513] [514] [515] [516] [517] [518] [519] [520] [521] [522] [523] [524] [525] [526] [527] [528] [529] [530] [531] [532] [533] [534] [535] [536] [537] [538] [539] [540] [541] [542] [543] [544] [545] [546] [547] [548] [549] [550] [551] [552] [553] [554] [555] [556] [557] [558] [559] [560]


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!