الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() المؤمن فإن المؤمن يكره الموت و اللّٰه يكره مساءة المؤمن «فقال عن نفسه سبحانه ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي» فأثبت لنفسه التردد في أشياء ثم جعل المفاضلة في التردد الإلهي فقال تعالى ترددي في قبض نسمة المؤمن الحديث فهذا مثل من يدعو نفسه لأمر ما ثم يتردد فيه حتى يكون منه أحد ما يتردد فيه و الدعاء على نوعين دعاء بلسان نطق و قول و دعاء بلسان حال فدعاء القول يكون من الحق و من الخلق و دعاء الحال يكون من الخلق و لا يكون من الحق إلا بوجه بعيد [الإجابة للدعاء على نوعين]و الإجابة للدعاء بلسان الحال على نوعين إجابة امتنان على الداعي و إجابة امتنان على المدعو فأما امتنانه على الداعي فقضاء حاجته التي دعاه فيها و امتنانه على المدعو فإنه بها يظهر سلطانه بقضاء حاجته فيما دعاه إليه و للمخلوق في قبوله ما يظهر فيه الاقتدار الإلهي رائحة امتنان و لهذه القوة الموجودة من من من على رسول اللّٰه ﷺ بالإسلام فقال تعالى تأنيسا له ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ [الحجرات:17] ثم أمره أن يقول لهم فقال يا محمد ﴿قُلْ لاٰ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاٰمَكُمْ بَلِ اللّٰهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدٰاكُمْ لِلْإِيمٰانِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ﴾ [الحجرات:17] فتلك المنة الواقعة منهم إنما هي على اللّٰه لا على رسوله ﷺ فإنهم ما انقادوا إلا إلى اللّٰه لأن الرسول ما دعاهم إلى نفسه و إنما دعاهم إلى اللّٰه فقوله لهم ﴿إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ﴾ [البقرة:23] يعني في إيمانكم بما جئت به فإنه مما جئت به إن الهداية بيد اللّٰه ﴿يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ﴾ [الأنعام:88] لا بيد المخلوق ثم إن النبي ﷺ أبان عما ذكرناه من أن لهم رائحة في الامتنان أما و اللّٰه لو شئتم أن تقولوا لقلتم و ذكر نصرة الأنصار و كونهم أووه حين طرده قومه و أطاعوه حين عصوه قومه فأشبهوا فيما كان منهم بما قرره رسول اللّٰه ﷺ من ذلك قوله تعالى لنبيه ﴿أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوىٰ وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدىٰ وَ وَجَدَكَ عٰائِلاً فَأَغْنىٰ﴾ و لما كانت النعم محبوبة لذاتها و كان الغالب حب المنعم حتى قالت طائفة إن شكر المنعم واجب عقلا جعل اللّٰه التحدث بالنعم شكرا فإذا سمع المحتاج ذكر المنعم مال إليه بالطبع و أحبه فأمره أن يتحدث بنعم اللّٰه عليه فقال ﴿وَ أَمّٰا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى:11] حتى يبلغ القاصي و الداني و قال في الإنسان ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاٰ تَقْهَرْ وَ أَمَّا السّٰائِلَ﴾ يعني في العلم ﴿فَلاٰ تَنْهَرْ﴾ [الضحى:10] و من هذا الأمر ذكر أهل اللّٰه ما أنعم اللّٰه به عليهم من المعارف و العلم به و الكرامات فإن النعم ظاهرة و باطنة و قد أسبغها على عباده كما قال ﴿وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظٰاهِرَةً وَ بٰاطِنَةً﴾ [لقمان:20] فهذا بعض ما يعطيه هذه الحضرة من الانفعال ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «حضرة السعة»إنما الواسع الذي *** وسع الكل خلقه فإذا ما خلا بنا *** نازع الحق خلقه و زها بالذي بدا *** من سنا الشمس أفقه فهي فينا بنورها *** و أنا فيه حقه [تقدم الرحمة على العلم]يدعى صاحبها عبد الواسع قالت الملائكة ﴿رَبَّنٰا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً﴾ [غافر:7] فقدمت الرحمة على العلم لأنه أحب أن يعرف و المحب يطلب الرحمة به فكان مقام المحب الإلهي أول مرحوم فخلق الخلق و هو نفس الرحمن و قال ﴿وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] فعم بكل كل مرحوم و ما ثم إلا مرحوم و من كان علمه بالشيء ذوقا و كان حاله فإنه يعلم ما فيه و ما يقتضيه من الحكم و «قد قال الترجمان ﷺ إن المؤمن لا يكمل حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» و قد علمنا إن له الكمال و أنه المؤمن و أن العالم على صورته فقد ثبتت الأخوة بالصورة و الايمان لأنه ما ثم إلا قائل به مؤمن مصدق بوجوده فإنه ما ﴿مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء:44] و ما من شيء إلا وسعته رحمته كما وسعه تسبيحه و حمده فهو الواسع لكل شيء و لهذا الاتساع هو لا يكرر شيئا في الوجود فإن الممكنات لا نهاية لها فأمثال توجد دنيا و آخرة على الدوام و أحوال تظهر و قد ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ﴾ [البقرة:255] و هو علمه ﴿اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ﴾ [البقرة:33] و وسعت رحمته علمه و السموات و الأرض و ما ثم الا سماء و أرض فإنه ما ثم إلا أعلى و أسفل ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى:1] فلا أعلى بعده و لو دليتم بحبل لهبط على اللّٰه فلا أنزل منه و ما بينهما فينزل إلى العلو الأدنى و هو السماء الأولى من جهتنا فإنها السماء الدنيا أي القريبة إلينا و ما نزل ليعذب و يشقى بل «يقول هل من داع فاستجيب له هل من سائل فأعطيه» و ما يخلو شيء من سؤال بخير في حق نفسه «هل من تائب فأتوب عليه» و ما من شيء إلا و يرجع في ضرورته إذا انقطعت به الأسباب إليه «هل من مستغفر فاغفر له» و ما من شيء إلا و هو مستغفر في أكثر أوقاته لمن هو إله و لم يقل إنه ينزل ليعذب عباده الذين نزل في حقهم و من كان هذا نعته و عذب فعذابه رحمة بالمعذب و تطهير كعذاب الدواء للعليل |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |