الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() للمحكوم عليه مع كونه حكما و لا هو جائر فإنه حكم بما شرع له من إقامة الشهود أو الإقرار الذي ليس بحق فكان اللفظ من الشاهد و اللفظ بالإقرار من المقر أوجب له الحكم و إن كان قول زور أو شهادة زور و إنما قلنا فيه إنه أخو العليم لكونه في نفس الأمر ما يكون حكما حقيقة إلا يجعل المحكوم له أو عليه هذا هو التحقيق و الأخوة هنا قد تكون أخوة الشقائق و قد تكون أخوة الصفة كأخوة الايمان و غير الايمان و قد تكون أخوة من الأب الواحد دون الآخر و قد تكون من الرضاعة فلذلك قلنا إنه أخو العليم و ما بينا مراتب الأخوة فأحقها أخوة الايمان فإن بها يقع التوارث و هي أخوة الصفة كذلك الحكم ما حكم الحاكم على المحكوم عليه إلا لصفة لا لعينه و من شرط الحكم أن يكون عالما بالحكم لا بالمحكوم عليه و له و إنما شرطه العلم بصفة ما يظهر من حال المحكوم عليه و له بما ذكرناه من شهود صدقوا أو كذبوا أو من إقرار صدق أو كذب فهو تابع أبدا فيكون عالما بالحكم لا بد من ذلك الذي يوجبه و يعينه ما قررناه و الحق فيه مصادفة و هو موضع الإجماع مع كونه بهذه المثابة و الخلاف في حكم الحاكم بعلمه دون إقرار و لا شهادة هل يجوز أو لا يجوز و قد بينا مذهبنا في هذه المسألة في هذا الكتاب في حكم الحاكم بعلمه أين ينبغي أن يحكم و أين ينبغي أن لا يحكم بعلمه فإنها من أشكل المسائل و على كل حال فهي حضرة مبهمة حكم حكمها الأشاعرة في الصفات الإلهية بقولهم لا هي هو و لا هي غيره مع قولهم بأنها زائدة بالعين على الذات وجودية لا نسبية و غير الأشعري لا يقول بهذا ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «حضرة العدل»العدل لا يصلح إلا لمن *** يفصل في الخلق إذا يعدل فإن أبي أكوانه عدله *** فإنه بحقه يفضل ينعم بالفضل على خلقه *** و يستر الستر إذا يسبل [العدل هو ميل إلى أحد الجانبين الذي يطلبه الحكم الصحيح التابع للمحكوم عليه]يدعى صاحبها عبد العدل و هو ميل إلى أحد الجانبين الذي يطلبه الحكم الصحيح التابع للمحكوم عليه و له أو للإقرار أو الشهود و غير ذلك لا يكون عدلا في الحكم و من هذه الحضرة العجيبة خلق اللّٰه العالم على صورته و من هنا كان عدلا لأنه تعالى عدل من حضرة الوجوب الذاتي إلى الوجوب بالغير أو إلى حضرة الإمكان كيف شئت فقل و عدل أيضا بالممكنات من حضرة ثبوتها إلى وجودها فأوجدهم بعد أن لم يكونوا بكونه جعلهم مظاهر و بكونه كان مجلى لظهور أحكامهم و من هذه الحضرة عدوله من شأن يجوزه العقل في حق الممكن إلى شأن آخر يجوزه أيضا العقل و العدول لا بد منه فلا يعقل في الوجود إلا العدل فإنه ما ظهر الوجود إلا بالميل و هو العدل فما في الكون إلا عدل حيث فرضته و بالعدل ظهرت الأمثال و سمي المثل عدلا قال اللّٰه تعالى ﴿أَوْ عَدْلُ ذٰلِكَ صِيٰاماً﴾ [المائدة:95] و ﴿اَلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام:1] و هنا له وجوه في العدل منها عدولهم إلى القول بأن له أمثالا و ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] و منها إنهم بربهم عدلوا لأنه لا حول و لا قوة إلا بالله و منها أن الباء هنا بمعنى اللام فلربهم عدلوا لكون من عدلوا إليه إنما عدلوا إليه لكونه عندهم إلها فما عدلوا إلا لله كقوله ﴿مٰا خَلَقْنٰاهُمٰا إِلاّٰ بِالْحَقِّ﴾ [الدخان:39] أي للحق كذلك ﴿بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام:1] و لما قال اللّٰه عزَّ وجلَّ في هذه الآية ﴿اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُمٰاتِ وَ النُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام:1] جعلوا له أمثالا فخاطب المانية الذين يقولون إن الإله الذي خلق الظلمة ما هو الإله الذي خلق النور فعدلوا بالواحد آخر و كذلك الذين يقولون بخلق السموات و الأرض إنها معلولة لعلة ليست علته الإله أي ليست العلة الأولى لأن تلك العلة عندهم إنما صدر عنها أمر واحد لحقيقة أحديتها و ليس إلا العقل الأول فهؤلاء أيضا ممن قيل فيهم إنهم ﴿بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام:1] و سماهم كفارا لأنهم إما ستروا أو منهم من ستر عقله عن التصرف فيما ينبغي له بالنظر الصحيح في إثبات الحق و الأمر في نفسه على ما هو عليه فاقتصر على ما بدا له و لم يوف الأمر حقه في النظر و أما إن علم و جحد فستر عن الغير ما هو الأمر عليه في نفسه لمنفعة تحصل له من رياسة أو مال فلهذا قيل فيهم إنهم كفروا أي ستروا فإن اللّٰه حكيم يضع الخطاب موضعه و العدل هو الرب تعالى و الرب ﴿عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام:39] ﴿صِرٰاطِ اللّٰهِ الَّذِي لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى:53] و العدل الميل فالميل عين الاستقامة |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |