الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() و لا عرف اللّٰه من لم يعصه فإنه إذا عرف اللّٰه عرف أنه ما عصى إلا صيغة الأمر لا الأمر الإلهي فإنه جاءه على لسان واحد من أبناء الجنس و رأى خطابه إياه بما خاطبه به ينقسم إلى ما تعضده الأدلة النظرية التي قد أمره الحق بها و حكم العقل باتباعها و إلى ما ترده الأدلة النظرية و إن حكمت مع الشرع باتباع ما ترده إيمانا بذلك و تصديقا و قد حكم النظر العقلي بدليله بصدق هذا المخبر و أنه لا ينطق إلا عن اللّٰه و أن اللّٰه هو القائل على لسانه لهذا السامع ما خاطبه به فإن عصاه فمن حيث هو مثل له و المثلان متقابلان فلا بد من حكم التقابل و التضاد فلا بد من المخالفة و إن أطاع و وافق فمن حيث إن المخاطب عين الحق ما هو المثل فيعظم في نفس السامع و يقبل الخطاب و ذلك هو عين كون الحق متكبرا أي في نفس هذا العبد حين عصاه من حيث نظره إلى المثل في الخطاب و أما الواقفون مع الصورة الإلهية في الخلق فإن اللّٰه إذا تسمى لهم بالمتكبر فإنه تنزيه لما هم عليه من الصورة و دواء لما يحصل لهم في نفوسهم من عظمتهم على المخلوقين و ما له دواء في نفس الخطاب إلا «قوله إن اللّٰه خلق آدم على صورته» فيعلم أنه و إن حاز الصورة فهو مخلوق فقد تميز فلا يتمكن له أن يتكبر في نفسه و لكن بهذا يكبر الحق عنده في قلبه بعد أن لم يكن لهذا العبد هذا النعت فإذا أضافه إلى ما تقدم ظهر حكم اسم المتكبر و المجال واسع ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «حضرة الخلق و الأمر و هي للاسم الخالق»إلى خالق الأرواح أعملت همتي *** لأحظي به و الشاهدون حضور فيا من يراني عاملا متخلقا *** إلا إنني ظل لديه و نور و إن لم يكن هذا مقالي فإنني *** عبيد له بالعالمين خبير و إن لم يكن قولي و قلت نيابة *** فإني و رب الراقصات كفور و إن كان قولي فالوجود محقق *** و إني عليم بالمقال بصير [الخلق خلقان]يدعى صاحب هذه الحضرة عبد الخالق و الخلق خلقان خلق تقدير و هو الذي يتقدم الأمر الإلهي كما قدمه الحق و أخر الأمر عنه فقال تعالى ﴿أَلاٰ لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ﴾ [الأعراف:54] و الخلق الآخر بمعنى الإيجاد و هو الذي يساوق الأمر الإلهي و إن تقدمه الأمر الإلهي بالرتبة فالأمر الإلهي بالتكوين بين خلقين خلق تقدير و خلق إيجاد فمتعلق الأمر خلق الإيجاد و ستأتي حضرته و هي حضرة الباري و متعلق خلق التقدير تعيين الوقت لإظهار عين الممكن فيتوقف الأمر عليه و قد ورد كل شيء بقضاء و قدر حتى العجز و الكيس و الوقت أمر عدمي لأنه نسبة و النسب لا أعيان لها في الوجود و إنما الأعيان الممكنات الثابتة في حال العدم مرتبة كما وقعت و تقع في الوجود ترتيبا زمانيا و كل عين تقبل تغييرات الأحوال و الكيفيات و الأعراض و أمثال ذلك عليها فإن الأمر الذي تتغير إليه إلى جانبها متلبسة به فلهذه العين القابلة لهذا الاختلاف في الثبوت أعيان متعددة لكل أمر تتغير إليه عين ثبوتية فهي تتميز في أحوالها و تتعدد بتعدد أحوالها سواء تناهي الأمر فيها أو لا يتناهى و هكذا تعلق بها علم الباري أزلا فلا يوجدها إلا بصورة ما علمه في ثبوتها في حال عدمها حالا بعد حال و حالا في أحوال في الأحوال التي لا تتقابل فإن نسبتها إلى حال ما من الأحوال المتقابلة غير نسبتها إلى الحال التي تقابلها فلا بد أن تثبت لها عين في كل حال و إذا لم تتقابل الأحوال يكون لها عين واحدة في أحوال مختلفة و كذا توجد فالأمر الإلهي يساوق الخلق الإيجادي في الوجود فعين قول ﴿كُنْ﴾ [البقرة:12] عين قبول الكائن للتكوين ﴿فَيَكُونُ﴾ [البقرة:117] فالفاء في قوله ﴿فَيَكُونُ﴾ [البقرة:117] جواب أمره ﴿كُنْ﴾ [البقرة:12] و هي فاء التعقيب و ليس الجواب و التعقيب إلا في الرتبة كما يتوهم في الحق أنه لا يقول للشيء كن إلا إذا أراده و رأيت الموجودات يتأخر وجود بعضها عن بعض و كل موجود منها لا بد أن يكون مرادا بالوجود و لا يتكون إلا بالقول الإلهي على جهة الأمر فيتوهم الإنسان أو ذو القوة الوهمية أو أمر كثيرة لكل شيء كائن أمر إلهي لم يقله الحق إلا عند إرادته تكوين ذلك الشيء فبهذا الوهم عينه يتقدم الأمر الإيجاد أي الوجود لأن الخطاب الإلهي على لسان الرسول اقتضى ذلك فلا بد من تصوره و إن كان الدليل العقلي لا يتصوره و لا يقول به و لكن الوهم يحضره و يصوره كما يصور المحال و يتوهمه صورة وجودية و إن كانت لا تقع في الوجود الحسي أبدا و لكن |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |