الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() و الشيء لا يكلف نفسه فلا بد من محل يقبل الخطاب ليصح و من وجه نثبت الأفعال للمخلوق بما تطلبه حكمة التكليف و النفي يقابل الإثبات فرمانا هذا النظر في الحيرة كما رمانا التنزيه و الحيرة لا تعطي شيئا فالنظر العقلي يؤدي إلى الحيرة و التجلي يؤدي إلى الحيرة فما ثم إلا حائرة و ما ثم حاكم إلا الحيرة و ما ثم إلا اللّٰه كان بعضهم إذا تقابلت عنده هذه الأحكام في سره يقول يا حيرة يا دهشة يا حرقا لا يتقرى و ما هذا الحكم لحضرة أخرى غير هذه الحضرة الإلهية «الحضرة الربانية و هي الاسم الرب»الرب مالكنا و الرب مصلحنا *** و الرب ثبتنا لأنه الثابت لو لا وجودي و كون الحق أوجدني *** ما كنت أدري بأني الكائن الفائت فالحق أوجدني منه و أيدني *** به لذلك ادعى الناطق الصامت [لاسم الرب خمسة أحكام]و لها خمسة أحكام الثبوت على التلوين و السلطان على أهل النزاع في الحق و النظر في مصالح الممكنات و العبودة التي لا تقبل العتق و ارتباط الحياة بالأسباب المعتادة فأما الثبوت على التلوين فهو في قوله ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن:29] و قوله ﴿يُقَلِّبُ اللّٰهُ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ﴾ [النور:44] فما من نفس في العالم إلا و فيه حكم التقليب أ لا ترى إلى الشمس التي هي علة الليل و النهار تجري لا مستقر لها ليلا و لا نهارا أ لا ترى إلى الكواكب ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء:33] ما قال يستقرون في ثلاثمائة و ستين درجة كل درجة بل كل دقيقة بل كل ثانية بل كل جزء لا يتجزأ من الفلك إذا أنزل اللّٰه فيه أي كوكب كان من الكواكب يحدث اللّٰه عند نزوله في كل جوهر فرد من عالم الأركان ما لا يعرف ما هو إلا اللّٰه الذي أوجده و يحدث في الملإ الأوسط من الأرواح السماوية التي تحت مقعر فلك البروج من العلوم بما يستحقه الحق عزَّ وجلَّ من المحامد على ما وهبهم من المعارف الإلهية ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاٰتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ بِمٰا يَفْعَلُونَ﴾ [النور:41] و الذين في هذا الملإ هم أهل الجنان و في عالم الأركان و في بعض هذا الملإ هم أهل النار الذين هم أهلها و يحدث في الملإ الأعلى و هو ما فوق فلك البروج إلى معدن النفوس و العقول إلى العماء من العلوم التي تعطيها الأسماء الإلهية ما يؤديهم إلى الثناء على اللّٰه بما ينبغي له تعالى من حيث هم لا من حيث الأسماء فإن الأسماء الإلهية أعظم إحاطة مما هم عليه فإن تعلقها في تنفيذ الأحكام غير متناه و أما السلطان الذي لهذه الحضرة على أهل النزاع في الحق فهو إن المقالات اختلفت في اللّٰه اختلافا كثيرا من قوة واحدة و هي الفكر في أشخاص كثيرين مختلفي الأمزجة و الأمشاج و القوي ليس لها من يمدها إلا مزاجها الطبيعي و حظ كل شخص من الطبيعة ما يعطيه من المزاج الذي هو عليه فإذا أفرغت قوتها فيه حصل له استعداد به يقبل نفخ الروح فيه فيظهر عن النفخ و تسوية الجسم الطبيعي صورة نورية روحانية ممتزجة بين نور و ظلمة ظلمتها ظل و نورها ضوء فظلها هو الذي مده الرب فهو رباني ﴿أَ لَمْ تَرَ إِلىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان:45] و نورها ضوء لأن استنارة الجسم الطبيعي إنما كان بنور الشمس و قد ذكر اللّٰه أنه ﴿جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيٰاءً وَ الْقَمَرَ نُوراً﴾ [يونس:5] فلهذا جعلنا نورها ضوءا من أجل الوجه الخاص الذي لله في كل موجود أو من كون إفاضة الضوء على مرآة الجسم المسوي فظهر في الانعكاس ضوء الشمس كظهوره من القمر فلذا سمينا الروح الجزئي نورا لأن اللّٰه جعل القمر نورا فهو نور بالجعل كما كانت الشمس ضياء بالجعل و هي بالذات نور و القمر بالذات محو فللقمر الفناء و للشمس البقاء فللقمر الفناء بكل وجه *** و للشمس الإضاءة و البقاء و للوجه الجميل بكل حسن *** لنا منه البشاشة و اللقاء حمينا حسنه من كل عين *** كما يحمى من الشجر اللحاء نزلنا بالسماء على وجود *** له العرش المحيط له العماء له الإقبال و الإدبار فينا *** له حكم السنا و له السناء إذا يدنو فمجلسه رحيب *** و إن يعلو بنا فلنا الثناء له حكم الإرادة في وجودي *** هو المختار يفعل ما يشاء |
|
||||||||
![]() |
![]() |
||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |