الصنهاجى في محاسن المجالس لما ذكر حال العابد و المريد و العارف قال و الحق وراء ذلك كله لا بد من ذلك و إن كان مع ذلك كله أو عين ذلك كله فهو مع ذلك كله بقوله ﴿وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ﴾ [الحديد:4] و هو عين ذلك كله بقوله تعالى ﴿سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي الْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ﴾ [فصلت:53] و هو من وراء جميع ما ذكره محيط بقوله ﴿وَ اللّٰهُ مِنْ وَرٰائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [البروج:20] و بقوله ﴿أَلاٰ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ [فصلت:54] فمن أراد أن يسبح الحق في هجيره فليسبحه بمعنى قوله ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء:44] أي بالثناء الذي أثنى به على نفسه فإنه ما أضافه إلا اللّٰه هكذا هو تسبيح كل ما سوانا فإنا لا نفقة تسبيحهم إلا إذا أعلمنا اللّٰه به و هذا ضد ما تعطيه حقيقة التسبيح بل هذا تسبيح عن التسبيح مثل قولهم التوبة من التوبة فإن التسبيح تنزيه و لا ينزه إلا عن كل نعت محدث يتصف به المخلوق و ما نزل إلينا من اللّٰه نعت في كتاب و لا سنة إلا و هو شرب المخلوق و جعل ذلك تعالى حمد نفسه و ذكر عن كل شيء أنه يسبح بحمده أي بالثناء الذي أنزله من عنده ﴿وَ الْمَلاٰئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً﴾ فمن سبحه عن هذه المحامد فما سبحه بحمده بل أكذبه و إنما سبحه بعقله و دليله في زعمه و الجمع بين الأمرين أن تسبحه بحمده و هو التنزيه عن التنزيه و ذلك عين الاشتراك في النسبة كعدم العدم الذي هو وجود و إن أرادوا به المبالغة في التنزيه فذلك ليس بحمد اللّٰه بل حمد اللّٰه نفسه بما ذكرناه فإذا سبحه بحمده و هو الإقرار بما ورد من عنده مما أثنى به على نفسه أو مما أنزله عليك في قلبك و جاء به إليك في وجودك مما لم ينقل إليك و اجعل ذلك التسبيح كالصورة و اجعل قوله و الحق وراء ذلك كله كالروح التي لا تشاهد عينها لتلك الصورة و يكفيك من العلم بها مشاهدتك أثرها فإنك تعلم أن وراء تلك الصورة أمرا آخر هو روحها كذلك تعلم أن الحق وراء كل ثناء لك فيه شرب و من المحال أن يكون عندك ثناء على اللّٰه معين في الدنيا و الآخرة لا يكون لك فيه شرب فإنه لا يصح لك أن تثني عليه بما لا تعقله و مهما عقلت شيئا أو علمته كان صفتك و لا بد فلا يصح في الكون على ما تعطيه الحقائق التسبيح الذي يتوهمه علماء الرسوم و إنما يصح التسبيح عن التسبيح ما دام رب و عبد و لا يزال عبد و رب فلا يزال الأمر هكذا فسبح بعد ذلك أو لا تسبح فأنت مسبح شئت أو أبيت و علمت أم جهلت و لو لا ما هو الأمر على هذا في نفسه ما صح أن يظهر في العالم عين شرك و لا مشرك و قد ظهر في الوجود المشرك و الشرك فلا بد له من مستند إلهي عنه ظهر هذا الحكم و ليس إلا ما ذكرنا من أن العبد له شرب في كل ما يسبح به ربه من المحامد و أعلى المحامد بلا خلاف عقلا و شرعا ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] ثم تمم الآية لنعرف المقصود و يصح أول الآية فقال ﴿وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11] فلو لم يتمم لكان أول الآية يؤذن بأنا لسنا بعبيد و ليس هو لنا بإله فلا بد من رابط و ليس إلا الاشتراك إلا أنه عين الأصل في ذلك و نحن فيه كنسبة الفرع إلى الأصل و الولد إلى الوالد و إن كان على صورته فليس هو عينه فارتبط به فلا ينسب إلا إليه لأن له عليه ولادة و غيره من الناس من أبناء جنسه ما له عليه ولادة فلا يقال إنه ابنه و نسبتنا من وجه مثل هذه النسبة لأن الوجود له و هو الذي استفاد منه المحدث إلا إن النسبة التي ورد بها السمع نسبة العبد إلى السيد و المخلوق إلى الخالق و الرب إلى المربوب و المقدور إلى القادر و المصنوع إلى الصانع فإن نسبة البنوة أبعد النسب لتقلبه في الأطوار بما ليس للأب فيه تعمل و إنما له إلقاء الماء في الرحم عن قصد بنوة و عن لا قصد فبعدت النسبة لذلك كانت النطفة مخلقة و غير مخلقة و لو كان الأمر فيها للأب لكانت تامة أبدا أ لا ترى إلى النسبة القربية في خلق عيسى الطير بيده ثم نفخ فأتم خلقه فقربت نسبة الخلق إليه و كذلك صنائع المخلوقين كلهم فالبنوة من الأبوة أبعد نسبة من جميع الأمور و هي أصح النسب و ما كفر من قال إن المسيح ابن اللّٰه : إلا لاقتصاره و كذلك كفر من قال ﴿نَحْنُ أَبْنٰاءُ اللّٰهِ وَ أَحِبّٰاؤُهُ﴾ [المائدة:18] لاقتصارهم لأنهم ذكروا نسبة تعم كل ما سوى اللّٰه إن كانت صحيحة فإن لم تكن في نفس الأمر صحيحة فهم و العالم فيها على السواء و لما كان الأمر النسبي في تولد العالم عن اللّٰه و أن وجوده فرع عن الوجود الآلي نبه تعريضا في تصريح لمن فهم الإشارة و قسم العبارة و ذلك بقوله ﴿لَوْ أَرٰادَ اللّٰهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً﴾ [الزمر:4] فجوز ذلك و إنما نفي تعلق الإرادة باتخاذ الولد الإرادة لا تتعلق إلا بمعدوم و الأمر وجود فلا تعلق للإرادة فإن المقصود حكم البنوة لا عين الشخص المسمى ابنا ثم تمم فقال ﴿لاَصْطَفىٰ مِمّٰا يَخْلُقُ مٰا يَشٰاءُ﴾ [الزمر:4] فتدبر هذه الآية إلى تمامها و كذلك قوله تعالى ﴿لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاَتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا إِنْ كُنّٰا فٰاعِلِينَ﴾ [الأنبياء:17] أي ما كنا فاعلين إن نتخذه من غيرنا لأنه