الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
هنا تعرف مراتب الناس من الخلفاء و أن الخلفاء يفضل بعضهم بعضا و «قال رسول اللّٰه ﷺ إن اللّٰه خلق آدم على صورته و ما خلقه حتى استوى على العرش و ما استوى على العرش إلا الرحمن» و لما عمت رحمة اللّٰه أبا يزيد البسطامي و لم ير للكون فيها أثرا يزيل عنها حكم العموم قال للحق لو علم الناس منك ما أعلم ما عبدوك و قال له الحق تعالى يا أبا يزيد لو علم الناس منك ما أعلم لرجموك [لا بد للخليفة أن يكسو صفة اللّٰه و نعته]فاعلم أن الذي يريد أن يستنيب في عباده من يقوم فيهم مقامه لا بد أن يكسوه صفته و نعته فيكون الخليفة هو الظاهر و الذي استخلفه الباطن فيكون كسور الأعراف باطنه فيه الرحمة لأنه الحق الذي غلبت رحمته غضبه و ظاهره من قبله العذاب فما العذاب في ظاهره و إنما العذاب قبله فيراه قبلا ممن استخلف عليهم و قد حد الحق حدودا له يعاملهم بها ليكون إذا قام بها عند المؤمن بها و به محمودا لا يتطرق إليه ذم كما لا يتطرق لمن استخلفه ف ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ﴾ [النساء:80] فلا يذمه إلا من لا يعرفه و لا يعرف اللّٰه فالراحم منا من له رحمتان رحمة طبيعية و هي ذاتية له اقتضاها مزاجه و رحمة موضوعة فيه من اللّٰه بخلقه على الصورة و هذه الرحمة تتضمن مائة رحمة التي لله فإن لله مائة رحمة بعدد أسمائه فإن له تعالى تسعة و تسعين اسما ظاهرة و أخفى المائة للوترية فإنه يحب الوتر لأنه وتر فلكل اسم رحمة و إن كان من أسمائه المنتقم ففي انتقامه رحمة سأذكرها في باب الأسماء الإلهية من هذا الكتاب إن شاء اللّٰه فللرحيم من العباد مائة رحمة و رحمة من أجل الوترية فإنه يحب الوتر لأنه يحب اللّٰه و درجات الجنة مائة درجة لكل درجة رحمة و للنار مائة درك في كل درك رحمة مبطونة تظهر لمن هو في ذلك الدرك بعد حين فإن الغضب مغلوب و بالرحمة مسبوق فما يظهر في محل إلا و الرحمة قد سبقته إلى ذلك المحل فيغالبها فتغلبه لأن الدفع أهون من الرفع فلا حكم للغضب في المغضوب عليه إلا زمان المغالبة خاصة فإن هذا المحل هو ميدانهما فينال هذا المحل من المشقة فيما يطرأ بين الرحمة و الغضب بقدر ما تدوم المحاربة بينهما إلى وقت غلبة الرحمة و بالرحمة الطبيعية تقع الشفاعة من الشافعين لا بالرحمة الموضوعة فإن الرحمة الإلهية الموضوعة يصحبها في العبد العزة و السلطان فهي لا عن شفقة و الرحمة الطبيعية عنها تكون الشفقة و لو لم تصحب الرحمة الإلهية العزة و تتنزه عن الشفقة ما عذب اللّٰه أحدا من خلقه أصلا فهذه الرحمة التي يجدها العبد على خلق اللّٰه هي حكم الرحمة الطبيعية لا الرحمة الموضوعة فإن الرحمة الموضوعة لا تقوم إلا بالخلفاء أ لا ترى الإنسان إذا رأى الخليفة يعاقب و يظلم و يجور على الناس كيف يجد الشفقة على المظلومين المعاقبين و يقول ما عنده رحمة و لو قمت أنا مقامه لرحمتهم و لرفعت هذا الظلم عنهم فإذا ولي هذا القائل ذلك المنصب حجبه اللّٰه عن الرحمة الطبيعية التي تورث الشفقة و جعل فيه الرحمة التي تصحبها العزة و السلطان فيرحم بالمشيئة لا بالشفقة و لا للحاجة لأنه العزيز الغني في نفسه فيظلم و يعاقب ربما أكثر من الآخر الذي كان يذمه على ذلك قبل حصوله في مقام الخلافة فإذا قيل له في ذلك يقول و اللّٰه ما أدري إذا لم يكن عالما فإني لا أجد في نفسي إلا ما ترون و الآن قام لي عذر الذي تقدمني فيما كان يفعله و كنت أجد عليه في ذلك و أخبرني صادق أن مثل هذا وقع من الإمام الناصر لدين اللّٰه رحمه اللّٰه أحمد بن الحسن مع أبيه المستضىء بحضور الوزير و إنه عتب مع الوزير في حق أبيه فلما أفضت إليه الخلافة ظهر منه ما ظهر من أبيه مما أخذه عليه فنبهه الوزير على قوله فقال الحال الذي كنت أجده في ذلك الوقت ذهب عني و ما أجد الساعة إلا ما ترى أثره و الآن قام عندي عذر أبي رحمه اللّٰه فمضمون هذه المنازلة أن اللّٰه أنشأ المحمدي على ما أنشأ عليه محمدا ﷺ فأنشأه بالمؤمنين رءوفا رحيما : و أرسله ﴿رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107] حتى إن دعاءه على رعل و ذكوان من الرحمة بهم لئلا يزيدوا طغيانا فيزدادوا من اللّٰه بعدا و من رحمته «قال لأزيدن على السبعين أو قال لو علمت إن اللّٰه يغفر لهم لزدت على السبعين إذ قيل له» ﴿إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّٰهُ لَهُمْ﴾ [التوبة:80] فلو عرف الناس من محمد ﷺ ما علم اللّٰه منه بما جبله اللّٰه عليه ما عبد اللّٰه أحد بما كلفه بل كان الناس يتبعون أهواءهم بعلم لأن اللّٰه ما أخذ من اتبع هواه إلا لكونه اتبع هواه بغير علم فحرمان الجهل أوقع بهم قال تعالى ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوٰاءَهُمْ﴾ [الروم:29] و ﴿مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوٰاهُ﴾ [القصص:50] بغير علم و قوله تعالى لداود ع ﴿وَ لاٰ تَتَّبِعِ الْهَوىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ﴾ [ص:26] و لم يقل عن اللّٰه و سبيل اللّٰه ما شرعه لدار القرار التي هي محل سعادتك و أما تمام الآية |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





