الممنوع منه أن ذلك لإهانته على من بيده إعطاء ما سأل فيه و ليس كذلك فيفتح اللّٰه إن شاء عين بصيرته و يرزقه الكشف على نفسه و على حقيقة ما طلب و يريه الحق في ذلك الكشف أن الذي طلبه ما هو بذلك و يعرف شرف نفسه عن إن يتصف بالافتقار إلى اللّٰه في طلب مثل هذا فيعلم إن اللّٰه ما منعه لإهانته عليه و إنما منعه لاستهانة ذلك المطلوب بالنسبة إليه فيشكر اللّٰه على منع ذلك هذا وجه من وجوه قوله من استهين منع و الوجه الآخر أن يطلب الطالب فوق قدره حتى لو أعطيه ما قبله لأنه يضعف عن حمله فيمنع لإهانته بالنسبة إلى ما طلبه و هو عكس الأول فيكون منع اللّٰه إياه رحمة به مثل قوله ﴿وَ لَوْ بَسَطَ اللّٰهُ الرِّزْقَ لِعِبٰادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى:27] لأنهم يضعفون عن القيام بما يستحقه بسط الرزق من الشكر و ليس في وقته إلا البغي به و الكفر و الأشر و البطر و يظهر ذلك في أرباب المناصب في الدنيا فإذا رأيت صاحب المنصب يحكم عليه المنصب فتعلم أنه دون المنصب و أنه مهان بصرفه المنصب بعزته كيف يشاء فلا يزال مذموما بكل لسان من الحق و من الخلق و إذا رأيت صاحب المنصب يصرف المنصب و يحكم على المنصب فتعلم أنه فوق المنصب فيكون محمودا بكل لسان عند اللّٰه و عند العالم فيمنع بحق و حكمة و يعطي بحق و حكمة كما قال الحق عن نفسه ﴿وَ لٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مٰا يَشٰاءُ﴾ [الشورى:27] و ذلك لعلم هذا الشخص بالأوزان فإن اللّٰه يقول ﴿إِنَّهُ بِعِبٰادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى:27] فيعلم على من يبسط رزقه و على من يقبض عنه ذلك القدر الذي بسطة على غيره فبغى به و لذلك ما ذكر إلا عموم البسط في العباد كلهم و أضاف البغي للكل لأنه قد بسط للبعض فوقع منهم البغي فيما بسطة له لأنه شغله عن حاجة نفسه الضرورية بحاجة نفسه التي هي غير ضرورية كملك بسط اللّٰه له في الملك فأعطاه افتقاره الأصلي أن يسعى في تحصيل ملك غيره و لم يقنع بما عنده و قد كان قبل حصول ما هو فيه عنده يشتهي أنه يحصل له بعضه و يقنع به فلما أعطاه ما قنع و تشوق إلى الزيادة مما هو في يد غيره فلم يحصل له ذلك إن حصل إلا بالبغي في الأرض فربما أداه ذلك البغي إلى زوال ما بيده فيندم عند ذلك و يعلم أنه ما عاد عليه إلا بغيه فلو كان عزيزا في طلبه غير مهان ما منع هكذا يقول عن نفسه و قد يكون منع اللّٰه ذلك في حقه و أخذ ما كان بيده سببا إلى رجوعه إلى اللّٰه و توبته ليسعده اللّٰه بذلك فالعاقل ينظر في أحواله و تصرفاته و ما أهله اللّٰه له و يعلم أن ذلك كله خطاب الحق بالسنة الأحوال فيفتح عين الفهم و سمعه لذلك الخطاب العقلي و الحالي فيعمل بمقتضى فهمه فيه فإن قلت فإن كان فهمه فيه ما تعطيه قوة ذلك المنصب قلنا ليس ذلك نريد و ما غاب عنا هذا الذي دخلت علينا به و لكن اللّٰه قد وضع لنا في العالم الموازين الشرعية لنقيم لها الوزن بالقسط فإذا أعطى ذلك الأمر الذي يريد تمشيته في العالم بالوزن أخذنا منه قدر ما يدخل الميزان و تركنا منه ما لا يحتمله الميزان فإن في مقابلة كفة الموزون مقدارا في الكفة الأخرى و ذلك المقدار هو الذي يعين لنا من هذا الموزون و ما نحتاج إليه في الوقت و هذا معنى قوله ﴿يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مٰا يَشٰاءُ﴾ [الشورى:27] و هو القدر الذي في الكفة الأخرى من الميزان ﴿وَ مٰا نُنَزِّلُهُ إِلاّٰ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر:21] و قد يكون الميزان مكيلا فهو على قدر الكيل و الفرق بين المكيال و الميزان أن الميزان خارج عنك فنأخذ من الموزون قدر ما يقابله من الكفة الأخرى و المكيال هو عين ذاتك من حيث ما هي متصفة بحالة ما فذلك عين كيلها فلا تأخذ من الأمر إلا بقدر قبولها كما يأخذ المكيال فهو على الحقيقة كما هو في الميزان فإنه إذا رجح بأحد الكفتين فقد خرج عن أن يكون وزنا لأنه خرج عن مقدار ما يقابله إما بتطفيف أو غيره فالنبي ﷺ لما نزل عليه من الشرائع مكيال لا ميزان و الحق لما لم يصح أن يكون محلا للأمر لم ينزل نفسه منزلة المكيال لكن وصف نفسه بأن بيده الميزان يخفض القسط و يرفعه بحسب مراتب العالم فكل خفض في ميزان الحق و رفع فهو عين الاعتدال بين الكفتين في الميزان الموضوع في العالم فإن الحق لا يزن إلا حقا فميزان الحق لا بد فيه من خفض و رفع لإحدى الكفتين و لو كان على الاعتدال ما ظهر كون في العالم أصلا و لا عدل فإذا أقيمت موازين الشرع الإلهي في العالم سرى العدل في العالم و كذلك لو أقيم الوزن الطبيعي في العالم لم يكن في العالم مرض و لا موت كما لا يكون في الجنة لأن الميزان الطبيعي في الجنة يظهر حكمه و لذلك هي دار البقاء و يرتفع فيها ميزان الشرع كما ارتفع في الدنيا ميزان الطبع فالمنع و العطاء لو لا الميزان ما كان لهما حكم في العالم و الذي يزن هو الموصوف بالمعطي و المانع و الضار و النافع ﴿وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:29] فإن قال قائل من أهل التحقيق إن الجود الإلهي