﴿اللّٰهَ رَمىٰ﴾ [الأنفال:17] فالرامي هو اللّٰه و البصر يشهد محمدا ﴿أَوْ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ﴾ [الشورى:51] صورة بشرية لتقع المناسبة بين الصورتين بالخطاب ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً﴾ [الشورى:51] و هو ترجمان الحق في قلب العبد ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلىٰ قَلْبِكَ﴾ فإذا أوحى اللّٰه إلى الرسول البشري من الوجه الخاص بارتفاع الوسائط و ألقاه الرسول علينا فهو كلام الحق لنا من وراء حجاب تلك الصورة المسماة رسولا إن كان مرسلا إلينا أو نبيا و قد تكون هذه الرتبة لبعض الأولياء فإذا انكشف الغطاء البشري عن عين القلب أدرك جميع صور الموجودات كلها بهذه المثابة في خطاب بعضهم بعضا و سماع بعضهم من بعض فأنجد المتكلم و السامع و الباطش و الساعي و المحس و المتخيل و المصور و الحافظ و جميع القوي المنسوبة إلى البشر فالمنازلات كلها برزخية بين الأول و الآخر و الظاهر و الباطن و صور العالم و صور التجلي ﴿فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلاٰمَ اللّٰهِ﴾ [التوبة:6] فالمترجم المتكلم و قد عرفنا إن الكلام المسموع هو كلام اللّٰه لا كلامه فتنظر ما جاء به في خطابه البرزخى و افتح عين الفهم لإدراكه و كن بحسب ما خاطبك به و لا يسمع كلام اللّٰه إلا بسمع اللّٰه و لا كلام الصورة إلا بسمع الصورة و السامع من وراء السمع و المتكلم من وراء الكلام ﴿وَ اللّٰهُ مِنْ وَرٰائِهِمْ مُحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ من التبديل و التغيير فأما ما يدل على توحيد و إما صفة تنزيه و إما صفة فعل و إما ما يعطي الاشتراك و إما تشبيه و إما حكم و إما قصص و إما موعظة بترغيب أو ترهيب أو دلالة على مدلول عليه فهو محصور بين محكم و متشابه كل خطاب في العالم فالطور الجسم لما فيه من الميل الطبيعي لكونه لا يستقل بنفسه في وجوده و كتاب مسطور عن إملاء إلهي و يمين كاتبة بقلم اقتداري في رق و هو عينك من باب الإشارة لا من باب التفسير منشور ظاهر غير مطوي فما هو مستور و البيت المعمور و هو القلب الذي وسع الحق فهو عامرة و السقف المرفوع ما في الرأس من القوي الحسية و المعنوية و البحر المسجور رأى الطبيعة الموقدة بما فيها من النار الحاكم الموجب للحركة إن عذاب ربك لواقع أي ما تستعذ به النفس الحيوانية و الروح الامري و العقل العلوي من سيدها المربي لها المصلح من شأنها لواقع لساقط عليها إذ كانت لها المنازل السفلية من حيث إمكانها مطلقا و من حيث طبعها مقيدا ﴿مٰا لَهُ مِنْ دٰافِعٍ﴾ [الطور:8] لأنه ما ثم غير ما ذكرناه فمن عندنا التلقي لتدليه و الترقي لتدانيه و بين هذين الحكمين ظهور البرازخ التي لها المجد الشامخ و العلم الراسخ و قد تكون المنازلة بين الأسماء الإلهية مثل المنازلة في الحرب على هذا الإنسان إذا خالف أمر اللّٰه فيطلبه التواب و الغفور و الرحمن و يطلبه المنتقم و الضار و المذل و أمثالهم و قد و رد في الحديث من هذا الباب «قوله تعالى ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نسمة المؤمن يكره الموت و أكره مساءته و لا بد له من لقائي» و هذا من المنازلة و قد ذقت هذا الكشف رأيته من اللّٰه في قتل الدجال بحضور رسول اللّٰه ﷺ معي فيه و من هنالك انفتح لي باب بسط الرحمة على عباد اللّٰه و علمت إن رحمته ﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] فلا بد أن ينفذ حكمها في كل شيء و علمت حكمة انعدام الأعراض لا نفسها في الزمان الثاني من زمان وجودها و خلق اللّٰه الأمثال في المحل أو الأضداد إذ لو ثبت عرض ثبوت محله إذا لم يكن محله معنى مثله أي عرض آخر مثله في العرضية لبقي كما يبقى الجوهر و لم تكن تتبدل حاله على الجوهر فيكون إما دائم الشقاء من أول خلقه أو دائم السعادة فتكون رحمة اللّٰه قاصرة على أعيان مخصوصين كما تكون بالوجوب في قوم منعوتين بنعت خاص و فيمن لا ينالها بصفة مقيدة وجوبا تناله الرحمة من باب الامتنان كما نالت هذا الذي استحقها و وجبت له بالصفة التي أعطته فاتصفت بها فوجبت الرحمة له فالكل على طريق الامتنان نالها و نالته فما ثم إلا منة إلهية أصلا و فرعا ثم تسري المنازلة بين الإصبعين من أصابع الرحمن في القلب في ميدان الإرادة فإن أزاغه أزاغه رحمان و إن أقامه أقامه رحمان فما ثم حكم إلا له لأنه المستوي على العرش فلا تنفذ الأحكام إلا من هذا الاسم ثم تظهر المنازلة بين الملك و الشيطان على القلب باللمتين اللتين يجدهما المكلف في قلبه فإن لم يكن مكلفا و وجد التردد في قلبه فلا يخلو إما أن يكون في دار تكليف أو لا يكون فإن كان في دار تكليف فالتردد إنما هو من اللمة الملكية و اللمة الشيطانية بطلب كل واحد منهما لما نفذت فيه لمته أن يكون للمكلف في ذلك دخول بإعانة في فساد فيجوز الإثم عليه كصبيين لم يبلغا حد التكليف فيتضاربان عن لمة الشيطان التي غلبت على كل واحد منهما فيجيء والداهما أو شخصان من قرابتهما أو جيرانهما أو من