الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() مع العبد في هذه الحضرة على كل ما يشاؤه العبد كما هو في الآخرة في عموم حكم المشيئة لأن باطن الإنسان هو ظاهره في الآخرة فلذلك يتكون عن مشيئته كل شيء إذا اشتهاه فالحق في تصريف الإنسان في هذه الحضرة في الدنيا و في شهوته في الآخرة لا في الدنيا حسا فالحق تابع في هذه في الحضرة و في الآخرة لشهوة العبد كما هو العبد في مشيئته تحت مشيئته الحق فما للحق شأن إلا مراقبة العبد ليوجد له جميع ما يريد إيجاده في هذه الحضرة في الدنيا و كذلك في الآخرة و العبد تبع للحق في صور التجلي فما يتجلى الحق له في صورة إلا انصبغ بها فهو يتحول في الصور لتحول الحق و الحق يتحول في الإيجاد لتحول مشيئة العبد في هذه الحضرة الخيالية في الدنيا خاصة و في الآخرة في الجنة عموما و لما خلق اللّٰه همما فعالة في الوجود في الحس و همما غير فعالة في الوجود في الحس ظهر بذلك التفاضل في الهمم كما ظهر التفاضل في جميع الأشياء حتى في الأسماء الإلهية و الهمم الفعالة في الدنيا قد تفعل في همم غير أصحابها و قد لا نفعل مثل قوله فيما لا تفعل ﴿إِنَّكَ لاٰ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص:56] فبعض الهمم الفعالة و المنفعلة قد لا تنفعل لهمة فعالة فيريد منه أن يريد أمرا ما فلا يريده من يريد منه أن يريده لأن الهمم تتقابل للجنسية فلهذا قد لا تؤثر فيها فإذا تعلقت بغير الجنس أثرت كل همة فعالة و لا بد و أما في جنسها أعني في الهمم فقد تنفعل لها بعض الهمم و قد لا تنفعل و قد ظهر ذلك في الرسل عليه السّلام و أتباعهم يريد الرسول من شخص أن يريد الإسلام فيريده فيسلم و يريد من آخر إن يريد الإسلام فلا يريده فلو تعلقت همة الرسول بتحريك الألسنة بالشهادة بالتوحيد من غير إرادة الناطق بها لوقعت عموما و لكن لا تنفع صاحبها و إن كانت تنفع للسانه فإن لسانه ما عصى اللّٰه قط من حيث نفسه و إنما وقعت فيه المخالفة لا منه من حركة المريد تحريكه فهو مجبور حيث لم يعط الدفع عن نفسه لكونه من آلات النفس فهو طائع من ذاته و لو فتح اللّٰه سمع صاحبه لنطق اللسان الذاتي إذا جعلته النفس يتلفظ بمخالفة ما أراد الشرع أن يتلفظ به لبهت فلهذا قلنا إن المخالفة ظهرت فيه للجبر لا منه فإنه طائع بالذات شاهد عدل على محركه كما ورد ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور:24] بها و كذلك كل جارحة مصرفة من سمع و بصر و فؤاد و جلد و عصب و فرج و نفس و حركة و الناس في غفلة عما يراد بهم *** و في عماية عماهم عليه له فالإنسان سعيد من حيث نشأته الطبيعية و من حيث نشأة نفسه الناطقة بانفراد كل نشأة عن صاحبتها و بالمجموع ظهرت المخالفة و ما عين المخالفة إلا التكليف فإذا ارتفع التكليف حيث ارتفع الحكم بالمخالفة و لم يبق إلا موافقة دائمة و طاعة ممكن لواجب مستمرة كما هو في نفس الأمر في وقت المخالفة مطيع للمشيئة مخالف لأمر الواسطة للحسد الذي في الجنس و في هذا المنزل من العلوم علم توحيد الحق و تصديق المخبرين عن الحق و هم التراجمة السفراء من بشر و ملك و خاطر و علم الفرقان بالعلم بما تميزت به الأشياء و هذا هو علم التوحيد العالم الذي يسرى في كل واحد واحد من العالم و علم الكشف الإلهي و فيه علم التناسل الذي لا ينقطع دنيا و لا آخرة و فيه علم الحضرة التي وقع فيها التشبيه بين الأشياء و الاشتراك في الصورة و فيه علم ما ينفرد به الحق من العلم دون الخلق مما لا يعلمه الخلق إلا بإعلام اللّٰه و فيه علم الميل و الاستقامة و فيه علم الجمع للتفصيل و فيه علم العوائد لما ذا ترجع و ما ثم تكرار و الإعادة تكرار فالأمر مشكل و سبب أشكاله ذكر الحق العادة و الإعادة و الكشف يعطي عدم الإعادة في الكون لا الإعادة في نشء الآخرة فإن تلك الإعادة حكم إلهي في حق أمر ما مخصص بمنزلة من خرج من دار ثم عاد إليها فالدار الدار و الخارج الداخل و ما ثم إلا انتقال في أحوال لا ظهور أعيان مع صحة إطلاقها أن الخارج من الدار عاد إلى داره فعلمنا متعلق الإعادة و فيه علم المفاضلة بالدار و فيه علم نعوت أهل اللّٰه و فيه علم ما يشترك فيه الحق و العالم العالم بالله و ما ثم إلا عالم بالله غير أنه من العلماء من يعلم أنه عالم بالله و من الناس من لا يعلم أنه عالم بالله و هو على علم بمن يشهد و يعاين و لا يعلم أنه الحق فلو سألته هل تعلم اللّٰه قال لا فلو سألته فيما شهده هل تعلم هذا الذي شهدته من حيث ما هو مشهود لك يقول نعم يقال له فمن هو يقول هذا الذي أشهده فيقال له فمن يقال له يقول لا أدري فإذا قيل له هو كذا أي هو فلان بالاسم الذي يعرفه به و لكن ما عرف أن هذا المشهود هو مسمى ذلك الاسم فما جهل |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |