الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() و هو الطريق و لذلك قال عمرو بن عثمان المكي في صفة المعرفة و العارفين و كما هم اليوم كذلك يكونون غدا فاعلم إن كنت تفهم تشبيه اللّٰه أهل الضلال بالأنعام إنه تعالى ما شبههم بالأنعام نقصا بالأنعام و إنما وقع التشبيه في الحيرة لا في المحار فيه فلأشد حيرة في اللّٰه من العلماء بالله و لذلك «ورد عن رسول اللّٰه ﷺ أنه قال لربه زدني فيك تحيرا» لما علم من علو مقام الحيرة لأهل التجلي لاختلاف الصور و تصديق هذا الحديث «قوله لا أحصي ثناء عليك أنت كما ثنيت على نفسك» و قد علمنا ما أثنى اللّٰه به على نفسه من بسط يديه بالإنفاق و فرحه بتوبة عبده و غير ذلك من أمثاله و من ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] و ﴿مٰا قَدَرُوا اللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام:91] و «قول رسول اللّٰه ﷺ لو يعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا» فانظر في تنبيهه ﷺ على حسن استعدادهم و سواء استعدادنا حتى أنه من كان بهذه المثابة من الفكرة في الموت فغايته أن يحصل له استعداد البهائم و هو ثناء على من حصل في هذا المقام و ارتفاع في حقه و كيف ينظر البهائم دون الإنسان في الاحتقار و غاية الثناء عليك من اللّٰه أن تشاركها في صفتها فاشحذ فؤادك ﴿وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [ طه:114] فإن لله في خلقه أسرارا و لذلك ﴿خَلَقَكُمْ أَطْوٰاراً﴾ [نوح:14] [البهائم مسخرة مذللة من اللّٰه للإنسان]و اعلم أن البهائم و إن كانت مسخرة مذللة من اللّٰه للإنسان فلا تغفل عن كونك مسخرا لها بما تقوم به من النظر في مصالحها في سقيها و علفها و ما يصلح لها من تنظيف أماكنها و مباشرة القاذورات و الأزبال من أجلها و وقايتها من الحر و البرد المؤذيات لها فهذا و أمثاله من كون الحق سخرك لها و جعل في نفسك الحاجة إليها فإنها التي تحمل أثقالك إلى بلد لم تكن تبلغه إلا بنصف ذاتك و هو شق الأنفس : أي ما كنت تصل إليه إلا بالوهم و التخيل لا بالحس إلا بوساطة هذه المراكب فلا فضل لك عليها بالتسخير فإن اللّٰه أحوجك إليها أكثر مما أحوجها إليك «أ لا ترى إلى غضب رسول اللّٰه ﷺ حين سئل عن ضالة الإبل كيف قال ما لك و لها معها حذاؤها و سقاؤها ترد الماء و تأكل الشجر حتى يجدها ربها» فما جعل لها إليك حاجة و جعل فيك الحاجة إليها و جميع البهائم تفر منك ممن لها آلة الفرار و ما هذا إلا لاستغنائها عنك و ما جبلت عليه من العلم بأنك ضار لها ثم طلبك لها و بذل مجهودك في تحصيل شيء منها دليل على افتقارك إليها فبالله من تكون البهائم أغنى منه كيف يحصل في نفسه أنه أفضل منها صدق القائل ما هلك امرؤ عرف قدره فو الله ما يعرف الأمور إلا من شهدها ذوقا و عاينها كشفا لا يعرف الشوق إلا من يكابده *** و لا الصبابة إلا من يعانيها ما وصل إليك خبر الفيل و حبسه و امتناعه من القدوم على خراب بيت اللّٰه ما بلغك ما فعلت الطير بأصحاب الفيل و ما رمتهم به من الحجارة التي لها خاصية في القتل دون غيرها من الأحجار أ ترى يصدر ذلك منها من غير وحي إلهي إليها بذلك فكم من فيل كان في العالم و كم من أصحاب غزاة كانوا في العالم لما ظهر مثل هذا الأمر في هؤلاء و ما ظهر في غيرهم و هل يوحي اللّٰه إلى من لا يعقل عنه و هل قال تعالى ﴿وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلاّٰ بِلِسٰانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [ابراهيم:4] هل ذلك إلا ليفهموا لتقوم عليهم الحجة إذا خالفوا أو يعملوا بما فهموا فيسعدوا هل سمعت في النبوة الأولى و الثانية قط إن حيوانا أو شيئا من غير الحيوان عصى أمر اللّٰه أو لم يقبل وحي اللّٰه أين أنت من فرار الحجر بثوب موسى عليه السّلام حتى بدت لقومه سوأته ليعلموا كذبهم فيما نسبوه إليه ﴿فَبَرَّأَهُ اللّٰهُ مِمّٰا قٰالُوا﴾ [الأحزاب:69] أ ترى فرار الحجر هل كان عن غير أمر اللّٰه إياه بذلك أ ترى إباية السموات و الأرض و الجبال عن حمل الأمانة و إشفاقهم منها عن غير علم بقدر الأمانة و ما يؤول إليه أمر من حملها فلم يحفظ حق اللّٰه فيها و علمهم بالفرق بين العرض و الأمر فلما كان عرض تخيير احتاطوا لأنفسهم و طلبوا السلامة و لما أمرهم الحق تعالى بالإتيان فقال للسماء و الأرض ﴿اِئْتِيٰا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ﴾ [فصلت:11] طاعة لأمر اللّٰه و حذرا أن يؤتى بهما على كره أ ترى لو نزل القرآن على جبل فخشع و تصدع من خشية اللّٰه أ ترى ذلك منه عن غيره علم بقدر ما أنزل اللّٰه عليه و ما خاطب به من التخويفات التي تذوب لها صم الجبال الشامخات كم بين اللّٰه و رسوله لنا ما هي المخلوقات عليه من العلم بالله و الطاعة له و القيام بحقه و لا نؤمن و لا نسمع و نتناول ما ليس الأمر عليه لنكون من المؤمنين و نحن على الحقيقة من المكذبين و رجحنا حسنا على الايمان بما عرفنا به ربنا لما لم نشاهد ذلك مشاهدة عين [الموجودات كلها ما منها إلا من هو حي ناطق]و اعلم أنه من علم إن الموجودات كلها ما منها إلا من هو حي ناطق أو حيوان ناطق المسمى جمادا أو نباتا أو ميتا لأنه ما من شيء من قائم بنفسه |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |