الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() [البهائم أمم من جملة الأمم]اعلم أيدنا اللّٰه و إياك أن البهائم أمم من جملة الأمم لهم تسبيحات تخص كل جنس و صلاة مثل ما لغيرها من المخلوقات فتسبيحهم ما يعلمونه من تنزيه خالقهم فلهم نصيب في ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] و أما صلاتهم فلهم مع الحق مناجاة خاصة قال تعالى ﴿وَ الطَّيْرُ صَافّٰاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاٰتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ﴾ [النور:41] و قال ﴿وَ أَوْحىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبٰالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمّٰا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرٰاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ﴾ و هي ما شرع اللّٰه لها من السبل أن تسلكها ذللا فكل شيء من المخلوقات له كلام يخصه يعلمه اللّٰه و يسمعه من فتح اللّٰه سمعه لإدراكه و جميع ما يظهر من الحيوان من الحركات و الصنائع التي لا تظهر إلا من ذي عقل و فكر و روية و ما يرى في ذلك من الأوزان تدل على إن لهم علماء في أنفسهم بذلك كله ثم يرون منهم أمورا تدل على أنهم ما لهم ما للإنسان من التدبير العام فتعارضت عند الناظرين في أمرهم الأمور فانبهم أمرهم عليهم و ربما سموا لذلك بهائم من إبهام الأمر إلا عندنا فإنه أوضح من كل واضح و ما أتى علي من أتى عليه إلا من عدم الكشف لذلك فلا يعرفون من المخلوقات إلا قدر ما يشاهدونه منهم و كذلك من ألحقهم بدرجة المعارف و العلم بالله و بما أهلهم اللّٰه له ما ألحقهم بذلك إلا من كون اللّٰه كشف له عن أمرهم و أحوالهم أو مؤمن صادق الايمان قد بلغه عن اللّٰه في كتاب أو سنة أمرهم و ساعدنا على هذا القول شيخنا و إمامنا المتقدم حجة اللّٰه على المحققين الذي يقول فيه أبو طالب المكي صاحب قوت القلوب إذا حكى عنه قولا قال عالمنا سهل بن عبد اللّٰه التستري الذي رأى قلبه يسجد و هو صغير فلم يرفع و استظهر القرآن و هو ابن ست سنين و لما دخلت الخلوة على ذكره فتح لي به من ليلتي تلك الفتح الخاص بذلك الذكر فانكشف لي بنوره ما كان عندي غيبا ثم أفل ذلك النور المكاشف به فقلت هذا مشهد خليلي فعلمت أني وارث من تلك الساعة لملة أمر اللّٰه رسوله و أمرنا باتباعها و ذلك قوله ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ هُوَ سَمّٰاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الحج:78] و تحققت أبوته و بنوتي و قد كان شيخنا صالح البربري بإشبيلية قد قال لي يا ولدي إياك أن تذوق الخل بعد العسل فعلمت مراده و كان من أكبر من رأيته من المنقطعين إلى اللّٰه تعالى بل المقتطعين ما رأيت على قدمه مثله فجئت الشيخ بكرة و قلت له ما كان في منظوم نظمته إلهي لا عن روية و لا تعمل كما قال أبو العباس بن العريف الصنهاجى و جاء حديث لا يمل سماعه *** شهى إلينا نثره و نظامه و كان النظم الذي عملته في حالي كان مثل الخل من بعد العسل *** فمضى المصباح عني و أفل و بدت ظلمة ليل حالك *** أورثت في القلب أسباب العلل قلت ربي قال لبيك فما *** تبتغيه قلت نورا بعمل علم الحق الذي قد قلته *** قال باب مغلق قلت أجل قلت هب لي نورك الخالص لي *** فبدا النور بلا ضرب مثل في سمائي ثم أرضي ثم ما *** بين هذين إلى غير أجل و الذي يفهم قولي قد دري *** إنني الأمر الذي منه نزل فسر الشيخ بهذا النفس و قال هذا من تجلى الغلس قلت له صدقت كذلك كان قال الحمد لله المنعم على كل حال لو علم الناس النعمة السارية في الأحوال ما فرقوا بين السراء و الضراء و اتحد الحمد قلت له بل توحد فقال صدقت يا ولدي و أخطأ الشيخ فقبلت يده و قبل رأسي إذا الصادق الداعي أتاك مبينا *** فالق إليه السمع إن كنت مؤمنا و قلت رسول اللّٰه أنت وسيلتي *** إلى مسعدي سرا أقول و معلنا و لست بإيماني به مترددا *** فإني علمت الأمر علما مبينا بكشف أتاني من إلهي بمشهد *** يكون لنا يوم القيامة موطنا |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |