الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
خرجوا منها إلى الجنة فمستهم النار بقدر خطاياهم مع كونهم أماتهم اللّٰه فيها إماتة فإن أولئك ليست النار منزلا لهم يعمرونه و يقيمون فيه مع أهليهم و إنما النار لهؤلاء منهل من المناهل التي ينزلها المسافر في طريقه حتى يصل إلى منزله الذي فيه أهله فهذا معنى الحكمة و التفصيل فإن الأمور أعني الممكنات متميزة في ذاتها في حال عدمها و يعلمها اللّٰه سبحانه و على ما هي عليه في نفسها و يراها و يأمرها بالتكوين و هو الوجود فتتكون عن أمره فما عند اللّٰه إجمال كما أنه ليس في أعيان الممكنات إجمال بل الأمر كله في نفسه و في علم اللّٰه مفصل و إنما وقع الإجمال عندنا و في حقنا و فينا ظهر فمن كشف التفصيل في عين الإجمال علما أو عينا أو حقا فذلك الذي أعطاه اللّٰه الحكمة و فصل الخطاب و ليس إلا الرسل و الورثة خاصة و أما الحكماء أعني الفلاسفة فإن الحكمة عندهم عارية فإنهم لا يعلمون التفصيل في الإجمال و صورة ذلك كما يراه صاحب هذا المقام الذي أعطاه اللّٰه الحكمة التي عنده عناية إلهية و هي عند الحق تعيين الأرواح الجزئية المنفوخة في الأجسام المسواة المعدلة من الطبيعة العنصرية من الروح الكل المضاف إليه و لذلك ذكر أنه خلقها قبل الأجسام أي قدرها و عينها الكل جسم و صورة روحها المدبر لها الموجود بالقوة في هذا الروح الكل المضاف إليه فيظهر ذلك في التفصيل بالفعل عند النفخ و ذلك هو النفس الرحماني لصاحب الكشف فيرى في المداد الذي في الدواة جميع ما فيه من الحروف و الكلمات و ما يتضمنه من صور ما يصورها الكاتب أو الرسام و كل ذلك كتاب فيقول في هذا المداد من الصور كذا و كذا صورة فإذا جاء الكاتب و الرسام أو الرسام دون الكاتب أو الكاتب دون الرسام بحسب ما يذكره صاحب الكشف فيكتب بذلك المداد و يرسم جميع ما ذكره هذا المكاشف بحيث لا يزيد على ذلك و لا ينقص و لا يدرك ذلك هذا المسمى في عرف العقلاء حكما فهذا حظ أهل الكشف فهم الذين أعطاهم اللّٰه الحكمة و فصل الخطاب و قد أمرنا رسول اللّٰه ﷺ أن نعطي كل ذي حق حقه و لا نفعل ذلك حتى نعلم ما يستحقه كل ذي حق من الحق و ليس إلا بتبيين الحق لنا ذلك و لذلك أضافه إليه تعالى فقال ﴿وَ آتَيْنٰاهُ الْحِكْمَةَ﴾ [ص:20] و ﴿مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ [البقرة:269] فما يعلمها إلا من أوتيها فهي هبة من اللّٰه تعالى كما وهبنا وجود أعياننا و لم نكن شيئا وجوديا فالعلم الإلهي هو الذي كان اللّٰه سبحانه معلمه بالإلهام و الإلقاء و بإنزال الروح الأمين على قلبه و هذا الكتاب من ذلك النمط عندنا فو الله ما كتبت منه حرفا إلا عن إملاء إلهي و إلقاء رباني أو نفث روحاني في روع كياني هذا جملة الأمر مع كوننا لسنا برسل مشرعين و لا أنبياء مكلفين بكسر اللام اسم فاعل فإن رسالة التشريع و نبوة التكليف قد انقطعت عند رسول اللّٰه محمد ﷺ فلا رسول بعده ﷺ و لا نبي يشرع و لا يكلف و إنما هو علم و حكمة و فهم عن اللّٰه فيما شرعه على السنة رسله و أنبيائه عليهم سلام اللّٰه و ما خطه و كتبه في لوح الوجود من حروف العالم و كلمات الحق فالتنزيل لا ينتهي بل هو دائم دنيا و آخرة اللّٰه أنشأ من طي و خولان *** جسمي فعدلني خلقا و سواني و أنشأ الحق لي روحا مطهرة *** فليس بنيان غيري مثل بنياني إني لا عرف روحا كان ينزل بي *** من فوق سبع سماوات بفرقان نريد قوله تعالى ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللّٰهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقٰاناً﴾ [الأنفال:29] و ما أنا مدع في ذاك من نبأ من الإله و لكن جود إحسان إن النبوة بيت بيننا غلق *** و بينه موثق بقفل إيمان و إنما قلنا ذلك لئلا يتوهم متوهم إني و أمثالي و ادعى نبوة لا و اللّٰه ما بقي إلا ميراث و سلوك على مدرجة محمد رسول اللّٰه ﷺ خاصة و إن كان للناس عامة و لنا و لأمثالنا خاصة من النبوة ما أبقى اللّٰه علينا منها مثل المبشرات و مكارم الأخلاق و مثل حفظ القرآن إذا استظهره الإنسان فإن هذا و أمثاله من أجزاء النبوة المورثة و لذلك كان أول إنسان أنشأه اللّٰه و هو آدم نبيا من مشى على مدرجته بعد ذلك فهو وارث لا بد من ذلك بهذه النشأة الترابية و أما في المقام فآدم و من دونه إنما هو وارث محمد ﷺ لأنه كان نبيا و آدم بين الماء و الطين لم يكن بعد موجودا فالنبوة |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





