الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() و الأمور الغائبة التي لا تدركها العقول بأفكارها و ليس لها مدرك إلا بالخير و ليست الصور بشيء غير أعيان الممكنات و ليس جوهر العالم سوى ما ذكرنا فللإطلاق على العالم من حيث جوهره حكم لا يكون له من حيث صورته و له حكم من حيث صورته لا يكون له من حيث جوهره فمن الناس من علم ذلك على الكشف و هم أصحابنا و الرسل و الأنبياء و المقربون و من الناس من وجد ذلك في قوته و في عقله و لم يعرف من أين جاء و لا كيف حصل له فيشرك أهل الكشف في الحكم و لا يدري على التحقق ما هو الأمر و هم القائلون بالعلة و القائلون بالدهر و القائلون بالطبيعة و ما عدى هؤلاء فلا خبر عندهم بشيء من هذا الحكم كما إن هؤلاء الطوائف لا علم لهم بما يعلمه أهل اللّٰه و إن اشتركا في هذا الحكم فلو سألت علماء طائفة منهم ما أنكر لك عين ما أبانه أهل اللّٰه من ذلك و ما حكم عليهم القول بذلك الحكم إلا ما عرفه أهل اللّٰه هم و القائلون بالعلة لا يشعرون أ لا ترى الشارع و هو المخبر عن اللّٰه ما وصف الحق بأمر فيه تفصيل إلا و هو صفة المحدث المخلوق مع قدم الموصوف به و هو اللّٰه و لا قدم للعقل في ذلك من حيث نظره و فكره و سبب ذلك لا يعرف أصله و لا يعلم أنه صورته في جوهر العالم بل يتخيل أنه عين الجوهر فإن أردت السلامة فاعبد ربا وصف نفسه بما وصف و نفى التشبيه و أثبت الحكم كما هو الأمر عليه لأن الجوهر ما هو عين الصورة فلا حكم للتشبيه عليه و لهذا قال ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] لعدم المشابهة فإن الحقائق ترمي بها ﴿وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11] إثباتا للصور لأنه فصل حي فمن لم يعلم ربه من خبره عن نفسه ﴿فَقَدْ ضَلَّ ضَلاٰلاً مُبِيناً﴾ [الأحزاب:36] و أدنى درجته أن يكون مؤمنا بالخبر في صفاته كما آمن إنه ليس كمثله شيء و كلا الحكمين حق نظرا عقليا و قبولا و اللّٰه يقول ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ [فصلت:54] و على كل شيء حفيظ أ تراه يحيط به و هو خارج عنه و يحفظ عليه وجوده من غير نسبة إليه فقد تداخلت الأمور و اتحدت الأحكام و تميزت الأعيان فقيل من وجه هذا ليس هذا عن زيد و عمرو و قيل من وجه هذا عين هذا عن زيد و عمرو و إنها إنسان كذلك نقول في العالم من حيث جوهره و من حيث صورته كما قال اللّٰه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] و هو يعني هذا الذي ليس كمثله شيء ﴿وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11] و حكم السمع ما هو حكم البصر ففصل و وصل و ما انفصل و لا اتصل ﴿فَمَنْ شٰاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شٰاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف:29] و من شاء فيعجز و من شاء فلينظر فمن علم العلم الذي قد علمته *** حقيق عليه إن يسر و أن يشكر إذا ناله التقوى فكن فطنا بما *** يقول لمن يدري بذلك و يشعر و ما قال هذا القول للخلق باطلا *** و لكنه ذكرى لمن شاء فليذكر هو الحيرة العمياء لمن كان ذا عمى *** هو المنظر الأجلى لذي بصر يبصر و لما ظهرنا في وجود عمائه *** علمنا وجود القرب فينا و لم نحصر «وصل إشارة و تنبيه»اعلم أن كل متلفظ من الناس بحديث فإنه لا يتلفظ به حتى تخيله في نفسه و يقيمه صورة يعبر عنها لا بد له من ذلك و لما كان الخيال لا يراد لنفسه و إنما يراد لبروزه إلى الوجود الحسي في عينه أي يظهر حكمه في الحس فإن المتخيل قد يكون مرتبة و قد يكون ما يقبل الصورة الوجودية كمن يتخيل أن يكون له ولد فيولد له ولد فيظهر في عينه شخصا قائما مثله و قد يتخيل أن يكون ملكا و هي رتبة فيكون ملكا و لا عين للمملكة في الوجود و إنما هي نسبة و إذا كان هذا و كان ما يتخيل يعبر كالرؤيا كذلك يعبر كل كلام و يتأول فما في الكون كلام لا يتأول و لذلك قال ﴿وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحٰادِيثِ﴾ [يوسف:21] و كل كلام فإنه حادث عند السامع فمن التأويل ما يكون إصابة لما أراده المتكلم بحديثه و من التأويل ما يكون خطأ عن مراد المتكلم و إن كان التأويل إصابة في كل وجه سواء أخطأ مراد المتكلم أو أصاب فما من أمر لا و هو يقبل التعبير عنه و لا يلزم في ذلك فهم السامع الذي لا يفهم ذلك الاصطلاح و لا تلك العبارة فإن علوم الأذواق و الكيفيات و إن قبلت لانتقال و لكن لما كان القول بها و العبارة عنها لإفهام السامع لذلك قالوا ما ينقال و لا يلزم ما لا يفهم السامع المدرك له أن لا يصطلح مع نفسه على لفظ يدل به على ما ذاقه ليكون له ذلك اللفظ منبها و مذكرا له إذا نسي ذلك في وقت آخر و إن لم يفهم عنه من لا ذوق له فيه و التأويل عبارة عما يؤول إليه ذلك الحديث |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |