الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() متماثلة الأجزاء فلو لا إضاءة الكواكب ما عرف تقدمها و لا تأخرها و هي التي يدركها البصر و يدرك سيرها و رجوعها فجعل أصحاب علم الهيئة للأفلاك ترتيبا جائزا ممكنا في حكم العقل أعطاهم علم ذلك رصد الكواكب و سيرها و تقدمها و تأخرها و بطئها و سرعتها و أضافوا ذلك إلى الأفلاك الدائرة بها و جعلوا الكواكب في السموات كالشامات على سطح جسم الإنسان أو كالبرص لبياضها و كل ما قالوه يعطي ميزان حركاتها و إن اللّٰه تعالى لو فعل ذلك كما ذكروه لكان السير السير بعينه و لذلك يصيبون في علم الكسوفات و دخول الأفلاك بعضها على بعض و كذلك الطرق يدخل بعضها على بعض في المحل الذي يحدث فيه سير السالكين فهم مصيبون في الأوزان مخطئون في إن الأمر كما رتبوه و أن السموات كالأكر و أن الأرض في جوف هذه الأكر و جعل اللّٰه لهذه الكواكب و لبعضها وقوفا معلوما مقدرا في أزمان مخصوصة لم يخرج اللّٰه العادة فيها ليعلم صاحب الرصد بعض ما أوحى اللّٰه من أمره في السماء و ذلك كله ترتيب وضعي يجوز في الإمكان خلافه مع هذه الأوزان و ليس الأمر في ذلك إلا على ما ذكرناه شهودا و كشفا ثم إن اللّٰه تعالى يحدث عند هذه الحركات الكوكبية في هذه الطرق السماوية في عالم الأركان و في المولدات أمورا مما أوحى في أمر السماء و جعل ذلك عادة مستمرة ابتلاء من اللّٰه ابتلى بها عباده فمن الناس من جعل ذلك الأثر عند هذا السير لله تعالى و من الناس من جعل ذلك لحركة الكوكب و شعاعه لما رأى أن عالم الأركان مطارح شعاعات الكواكب ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة:26] بالله ﴿فَزٰادَتْهُمْ إِيمٰاناً﴾ [التوبة:124] بالله و أما الذين آمنوا بالباطل فزادتهم إيمانا بالباطل و كفروا بالله و هم الخاسرون الذين ﴿فَمٰا رَبِحَتْ تِجٰارَتُهُمْ وَ مٰا كٰانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [البقرة:16] [إن اللّٰه تعالى وكل ملائكة بالأرحام عند مساقط النطف]ثم إن اللّٰه تعالى وكل ملائكة بالأرحام عند مساقط النطف فيقلبون النطف من حال إلى حال كما قد شرع لهم اللّٰه و قدر ذلك التنقل بالأشهر و هو قوله تعالى ﴿وَ مٰا تَغِيضُ الْأَرْحٰامُ﴾ [الرعد:8] أي ما تنقص عن العدد المعتاد ﴿وَ مٰا تَزْدٰادُ﴾ [الرعد:8] على العدد المعتاد ﴿وَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدٰارٍ﴾ [الرعد:8] فهو سبحانه يعلم شخصية كل شخص و شخصية فعله و حركاته و سكونه و ربط ذلك بالحركات الكوكبية العلوية فنسب من نسب الآثار لها و جعله اللّٰه عندها لا لها فلا يعلم ما في الأرحام و لا ما تخلق مما لم يتخلق من النطف على قدر معلوم إلا اللّٰه تعالى و من أعلمه اللّٰه تعالى من الملائكة الموكلة بالأرحام و لهذا تكون الحركة الكوكبية العلوية واحدة و يحدث عندها في الأركان و المولدات أمور مختلفة لا تنحصر و لا يبلغها نظر في جزئيات أشخاص العالم العنصري لأن اللّٰه قد وضعه على أمزجة مختلفة و إن كان عن أصل واحد كما نعلم أن اللّٰه خلق الناس من نفس واحدة و هو آدم و جعلنا مختلفين في عقولنا متفاوتين في نظرنا و الأصل واحد و منا الطيب و الخبيث و الأبيض و الأسود و ما بينهما و الواسع الخلق و الضيق الخلق الحرج فالأصل فرد و الفروع كثيرة *** فالحق أصل و الكيان فروع و ما خلق اللّٰه العالم الخارج عن الإنسان إلا ضرب مثال للإنسان ليعلم أن كل ما ظهر في العالم هو فيه و الإنسان هو العين المقصودة فهو مجموع الحكم و من أجله خلقت الجنة و النار و الدنيا و الآخرة و الأحوال كلها و الكيفيات و فيه ظهر مجموع الأسماء الإلهية و آثارها فهو المنعم و المعذب و المرحوم و المعاقب ثم جعل له أن يعذب و ينعم و يرحم و يعاقب و هو المكلف المختار و هو المجبور في اختياره و له يتجلى الحق بالحكم و القضاء و الفصل و عليه مدار العالم كله و من أجله كانت القيامة و به أخذ الجان و له سخر ما في السماوات و ما في الأرض : ففي حاجته يتحرك العالم كله علوا و سفلا دنيا و آخرة و جعل نوع هذا الإنسان متفاوت الدرجات فسخر بعضه لبعضه و سخره لبعض العالم ليعود نفع ذلك عليه فما سخر إلا في حق نفسه و انتفع ذلك الآخر بالعرض و ما خص أحدا من خلق اللّٰه بالخلافة إلا هذا النوع الإنساني و ملكه أزمة المنع و العطاء فالسعداء خلفاء و نواب و من دون السعداء فنواب لا خلفاء ينوبون عن أسماء اللّٰه في ظهور حكم آثارها في العالم على أيديهم فهم خلفاء في الباطن نواب في الظاهر فالنائب هو الظاهر بالليل لأنه نائب لا خليفة إلهي بوضع شرعي و مستتر بالنهار فيعلم من حكمة تغير الحكم المشروع أن الشرع الإرادي في جوره مستور و لما كان الحكام في الخلق خلفاء و نوابا كما قررناه بين اللّٰه بما شرعه الحق من الباطل و ما ينفع مما يضر من الأفعال الظاهرة و الباطنة و قسم العمل بين الجوارح و القلب فجعل اللّٰه القلوب محلا للحق و الباطل و الايمان و الكفر و العلم و الجهل |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |