في المسرفين ﴿لاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53] فجاء بالمغفرة و الرحمة في حق التائب و صاحب العمل الصالح كما جاء بهما في المسرفين الذين لم يتوبوا و نهاهم عن القنوط و أكد بقوله ﴿جَمِيعاً﴾ [البقرة:29] و أكثر من هذا الإفصاح الإلهي في مال عباده إلى الرحمة ما يكون مع عمارة الدارين الجنة و جهنم و إن لكل واحدة منهما ملأها لا يخرجون منها فعطاء اللّٰه لا مانع له و إنما الاسم المانع إنما متعلقة أن نعيم زيد ممنوع عن عمرو كما إن نعيم عمرو ممنوع عن زيد فهذا حكم المانع لا أنه يمنع شمول الرحمة و رأيت فيها علم الفرق بين مفاضلة المفضولين في الدنيا و بينهم في الآخرة و رأيت فيها علم من ترك ما هو عليه لما ذا ترك و سببه و رأيت فيها علم إن اللّٰه هو المعبود في كل معبود من خلف حجاب الصورة و رأيت فيها علم الرفق بالعالم و معاملة كل صنف بما يليق به من الرفق و رأيت فيها علم ما يجني الإنسان إلا ثمرة غرسه لا غير و رأيت فيها علم الحدود في التصرفات و مقاديرها و أوزانها و رأيت فيها علم التخلق بالأخلاق الإلهية من كونه ربا خاصة و رأيت فيها علم حكم مرتبة الجزء من الكل و إن كان الجزء على صورة الكل و رأيت فيها علم نتاج المقدمتين الفاسدتين علما صحيحا مثل كل إنسان حجر و كل حجر حيوان فكل إنسان حيوان فلم يلزم من فساد المقدمتين أن لا تكون النتيجة صحيحة و هذا لا يعرف ميزانه و رأيت فيها علم تأثير المثل في مثله بما ذا أثر فيه و ليس أحدهما بأولى من الآخر و لا أحق بنسبة التأثير إليه و المثلان ضدان فافهم و رأيت فيها علم العبث و كيف يصح مع قوله تعالى ﴿وَ مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا بٰاطِلاً﴾ [ص:27] و العبث فيما بينهما فبأي نظر يكون عبثا و بأي نظر لا يكون باطلا و قول اللّٰه تعالى ﴿أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمٰا خَلَقْنٰاكُمْ عَبَثاً﴾ [المؤمنون:115] فقيد و ما قيد الباطل و رأيت علم فضل الذكور على الإناث و هي مفاضلة عرضية لا ذاتية و رأيت فيها علم أحكام المحال و الحال و المكان و المتمكن فيه و رأيت فيها علم الحجب المانعة من التأثير الإلهي في المحجوب بها و رأيت فيها علم سلطنة الأحدية و أنه لا يبقى لسلطانها أحد و هل يصح فيها تجل أم لا فالذي قال بالتجلي فيها ما يريد هل أحدية الواحد أو أحدية المجموع و كذلك من لا يقول بالتجلي فيها هل يريد أحدية الواحد أو أحدية المجموع و رأيت فيها علم آداب السماع و ترك الكلام عنده و رأيت علم إلحاق الأدنى بالأعلى في حكم ضرب المثل له و من هو هذا الأعلى و بما ذا كان أعلى و رأيت فيها علم المجبور على الثناء على من كان يذمه قبل الجبر و رأيت فيها علم السبب المانع الذي يمنع العاقل من سلوك الأشد و الأخذ بالأولى و الأحق و رأيت فيها علم العروج و النزول من الشخص الواحد لاختلاف الأحوال و من نزل لما ذا نزل و من أنزله و من صعد لما ذا صعد و من أصعده و رأيت فيها علم أحوال الناس في البرزخ فإنه تقابلت فيه الأخبار فهل يعم التقابل أو يخص و هل العموم و الخصوص في الزمان أو في الأشخاص و رأيت فيها علم ما فائدة الآيات التي لا تأتي للاعجاز فلأي شيء أتت و رأيت فيها علم ما السبب الذي أجرأ الضعيف من جميع الوجوه على القوي من جميع الوجوه مع علمه بأنه قادر على إهلاكه و رأيت فيها علم طاعة إبليس ربه في كل شيء إلا في السجود لآدم و ما ذكر آدم بأنه عصى نهي اللّٰه و قيل في إبليس ﴿أَبىٰ﴾ [البقرة:34] و لم يقل فيه عصى أمر اللّٰه هل ذلك شرف يرجع لآدم لكونه على الصورة و ما لإبليس هذا المقام و ذكر اللّٰه في آدم أنه عصى ربه : فذكر من عصى و لم يذكر في حق إبليس إلا أبى و لم يذكر أنه أبى امتثال أمر ربه و في آية أخرى قيل ﴿لَمْ يَكُنْ مِنَ السّٰاجِدِينَ﴾ [الأعراف:11] و في آية أخرى قيل ﴿اِسْتَكْبَرَ﴾ [البقرة:34] و في آية أخرى قال ﴿أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً﴾ [الإسراء:61] و في آية أخرى قيل ﴿أَبىٰ أَنْ يَكُونَ مَعَ السّٰاجِدِينَ﴾ [الحجر:31] فانظر ما أفادك الحق في هذه الآيات و ما في طيها من الأسرار و رأيت فيها علم الاغترار و رأيت فيها علم من فضل آدم من المخلوقين و أن فضله لم يعم و هكذا أخبرني رسول اللّٰه ﷺ في واقعة رأيتها و هكذا أخبر الخليل إبراهيم عليه السّلام شيخنا أبا مدين بأن فضل آدم لم يعم و رأيت فيها علم الإمامة و الإمام و رأيت فيها علم إن الدنيا عنوان الآخرة و ضرب مثال لها و أن حكم ما فيها هو أتم و أكمل في الآخرة و رأيت فيها علم السبب الذي لأجله يميل قلب صاحب العلم بالشيء عما يعطيه علمه و ما حكمه و رأيت فيها علم سنة اللّٰه في عباده لا تتبدل و رأيت فيها علم توقيت محادثة الحق التي لا بد لصاحب العناية منها و الجمع بين الشهود و المحادثة و ما يكون من المحادثة مسامرة و إن الحق لا يمتنع من المسامرة و يمتنع من المحادثة في أوقات ما و هي خطاب إلهي من العبد لله و من اللّٰه للعبد و ما ينتج هذا العلم لمن علمه يوم القيامة و رأيت فيها علم أحوال الصادقين في