الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() في نفس الأمر فإن لم يكن ذلك في نفس الأمر فلا يلقى إلى هذا المجتهد الذي ذكرناه إلا ما هو الحكم عليه في نفس الأمر حتى أنه لو كان الرسول ﷺ حيا لحكم به مع أنه قرر حكم المجتهد و إن أخطأ فما أخطأ المجتهد إلا في الاستعداد كما ذكرناه فلو أصاب في الاستعداد ما أخطأ مجتهد أبدا بل لا يكون مجتهدا في الحكم و إنما هو ناقل ما قبله من الحق النازل عليه في تجليه و هذا عزيز في الأمة ما يوجد إلا في أفراد و علامتهم أنهم ما يختلفون في الحكم أصلا لوحدانية الرسالة في هذا الزمان فإذا اختلفوا فما هم الذين ذكرناهم فيكون صاحب الحق إذا كانت الأحكام منحصرة القسمة واحدا منهم فإن بقي قسم لم يقع به حكم ربما كان الحق فيه و مع هذا تعبد كل واحد بما أعطاه دليله فإن أصاب فله أجران و إن أخطأ فله أجر فوقع الاجتهاد في الاجتهاد و إذا تقرر أن التنزل الإلهي لم ينقطع و إنه على ضروب و كلها علم سواء كان تنزل حكم شرعي أو غير ذلك بحسب المواطن أ لا ترى موطن الآخرة في الجنة التنزل فيه دائم و لكن ليس فيه حكم تحجير جملة واحدة بخلاف تنزله في الدنيا فهذا أعني بحكم المواطن و الكل تعريف إلهي و لما كان في الإنسان الكامل المثل و الضد و الخلاف كما هو في الأسماء الإلهية المثل كالرحمن الرحيم و الخلاف كالرحمن الصبور و الضد كالضار النافع «قال النبي ﷺ يرفع هممنا إلى الرتب العالية لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا لكن صاحبكم خليل اللّٰه!» و اللّٰه يقول ﴿وَ اتَّخَذَ اللّٰهُ إِبْرٰاهِيمَ خَلِيلاً﴾ [النساء:125] و «قال ﷺ لربه أنت الصاحب في السفر» فإذا علمت أن اللّٰه لا يستحيل عليه خلة عباده فاجهد أن تكون أنت ذلك الخليل بأن تنظر إلى ما يؤدي إلى تحصيل هذه الخلة الشريفة فإنك لا تجد لها سببا إلا الموافقة و لا علم لنا بموافقتنا الحق إلا موافقتنا شرعه فما حرم حرمناه و ما أحل حللناه و ما أباحه أبحناه و ما كرهه كرهناه و ما ندب إليه ندبنا إليه و ما أوجبه أوجبناه فإذا عمك هذا في نفسك و كانت هذه صفتك و قمت فيها مقام حق صحت لك الخلة لا بل المحبة التي هي أعظم و أخص من الخلة لأن الخليل يصحبك لك و المحب يصحبك لنفسه فشتان ما بين الخلة و المحبة و قد دللتك على تحصيل هذين المقامين فالخليل يعتضد بخليله و الحبيب يبطن في محبه فيقيه بنفسه فالحق مجن المحبوب و الخليل مجن خليله أ لا ترى إلى ما أجرى اللّٰه في نفوس العالم حيث يجعلون الخبز و الملح سببا موجبا لأن يكون كل واحد من الشخصين اللذين بينهما الممالحة فداء لصاحبه يقيه من كل مكروه و يحفظ عليه حفظه على نفسه و كذلك هو الأمر عليه في عينه و لما شهدناه مع الحق مشاهدة عين و وقعت الممالحة و رأيت أثرها بحمد اللّٰه برهانا قاطعا قلت في ذلك لآكلن الخبز و الملحا *** حتى أرى البرهان و الفتحا و أنظر الأمر الذي قد بدا *** يثبت في اللوح فلا يمحي و أطلب الحرب من أجل العدا *** لا أطلب السلم و لا الصلحا فلو أتاني الأمر من عنده *** أمر يريني الكشف و الشرحا ألزمت نفسي طلبا للعلى *** أن تؤثر المعروف و النصحا و قلت للباني ألا فابن لي *** من عمل الأرواح لي صرحا عسى أرى بلقيس إذ شمرت *** عن ساقها إذ أبصرت صرحا تخيلت بأنه لجة *** فأضربت عن عرشها صفحا ما عرفت إذ أبصرت نفسها *** سترا و لا كشفا و لا لمحا فأعطاه الخبز و الملح أن لا يتخذ عدوا لله محبوبا و لا محبا و لما علم اللّٰه ما هو عليه الإنسان في جبلته من حبه المحسن لإحسانه و من استجلابه الود من أشكاله بالتودد إليهم علم أنه تعالى إذا قال لهم ﴿لاٰ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي﴾ [الممتحنة:1] إنهم لما ذكرناه لا يقومون في هذا النهي في جانب الحق مقام ما يستحقه الحق فزاد في الخطاب فقال ﴿وَ عَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال:60] و ذلك ليبغضهم إلينا لعلمه بأنا نحب أنفسنا و نؤثر أهواءنا عليه تعالى فليس في القرآن ذم في حقنا من اللّٰه أعظم من هذا فإنه لو علم منا إيثاره على أهوائنا لاكتفى بقوله ﴿عَدُوِّي﴾ [الممتحنة:1] ثم تمم على نسق واحد فقال ﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ﴾ [الممتحنة:1] يعني من موطنه فإن مفارقة الأوطان من |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |