الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() على طائفة مخصوصة يقتل الآخر منهما فلا تماثل في تلك الطائفة أو في العموم بحسب ما يعطيه الوقت فلو لا حكم الإرادة وجودا و تقديرا لما أمر بقتل الآخر و القتل زوال من صفة الحكم فزل أنت يبقى هو فإنك الآخر فإن قال بعض العارفين فالأول هنا ليس بخليفة قلنا هو خليفة حقا عن أمر إلهي و نهي عن المشاركة فيما أمر به من خلافته عنك فقال ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً﴾ [المزمل:9] و الوكيل بلا شك خليفة الموكل فيما وكله فيه و قال ﴿أَلاّٰ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً﴾ [الإسراء:2] فنهي أن نتخذ وكيلا غيره فكونه إلها ما هو كونه وكيلا و نحن إنما تكلمنا في الوكالة و هي الخلافة و في الوكيل و هو الخليفة كما ينظر باعتبار آخر قوله لنا ﴿وَ أَنْفِقُوا مِمّٰا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد:7] فلنا الإنفاق بحكم الخلافة و الإنفاق ملك لنا و الإنفاق تصرف فجعلناه عن أمره وكيلا عنا في الإنفاق أي خليفة لعلمنا بأنه يعلم من مواضع التصرف ما لا نعلمه فهو المالك و هو الخليفة فما ميز اللّٰه المراتب و أبانها لنا و ظهر بأسمائه في أعيانها و تجلى لنا فيها إلا لننزله في كل مرتبة رأيناه نزل فيها فنحكم عليه بما حكم به على نفسه و هذا هو أتم العلم بالله أن نعلمه به لا بنظرنا و لا بإنزالنا تعالى اللّٰه الخالق أن نحكم عليه بما خلق دون أن يظهر له فيما حكم به عليه فيكون هو الحاكم على نفسه لا أنا و هذا معنى قول العلماء إن الحق لا يسمى إلا بما سمي به نفسه إما في كتابه أو على لسان رسوله من كونه مترجما عنه فمن أقامه اللّٰه في مقام الترجمة عنه بارتفاع الوسائط أو بواسطة الأرواح النورية و جاء باسم سماه به فلنا أن نسميه بذلك الاسم و سواء كان المترجم مشرعا لنا أو غير مشرع لا يشترط في ذلك إلا الترجمة عنه حتى لا نحكم عليه إلا به فإنه القائل تعالى ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللّٰهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقٰاناً﴾ [الأنفال:29] تميزون به و تفرقون بين ما ينبغي له و ما ينبغي لكم فيعطي كل ذي حق حقه فله المقاليد و له الفتح بها و دونها و لنا الفتح بها و ما هي لنا بل هي بيده و ما كان بيده فليس يخرج عنه لأنه ما ثم إلى أين فهو المعطي و الآخذ لأن الصدقة تقع بيد الرحمن [أن الوحي الإلهي إنما ينزل من مقام العزة الأحمى]و اعلم أن الوحي الإلهي إنما ينزل من مقام العزة الأحمى و لهذا لا يكون بالاكتساب لأنه لا يوصل إلى ذلك المقام بالتعمل و لو وصل إليه بالتعمل لم يتصف بالعزة فينزل الوحي لترتيب الأمور التي تقتضيها حكمة الوجود ﴿وَ لَوْ كٰانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّٰهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاٰفاً كَثِيراً﴾ [النساء:82] يخالف ترتيب حكمة الوجود و ليس إلا من اللّٰه فهو في غاية الأحكام و الإتقان الذي لا يمكن غيره فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم لأنه أعطاه خلقه و أنزله في منزلته التي يستحقها فانظر هذه القوة الإلهية التي أعطاها اللّٰه لمن أنزل عليه الوحي الذي لو أنزل ﴿عَلىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خٰاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّٰهِ﴾ [الحشر:21] فإنهم علموا قدر من أنزله فرزقهم اللّٰه من القوة ما يطيقون به حمل ذلك الجلال فإذا سمعوا في اللّٰه ما يخالف ما تجلى لهم فيه ﴿تَكٰادُ السَّمٰاوٰاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبٰالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمٰنِ وَلَداً﴾ و قد سمع ذلك أهل اللّٰه و رسله و ما جرى عليهم شيء من ذلك لما أعطاهم من قوة العلم إذ لا أقوى من العلم فتجلى لهم في قوله ﴿لَوْ أَرٰادَ اللّٰهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً﴾ [الزمر:4] و ﴿لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاَتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا﴾ [الأنبياء:17] فعلم أهل اللّٰه من رسول و نبي و ولي ما لم تعلمه السموات و الأرض و الجبال من اللّٰه فانتج لهم هذا العلم بالله قوة في نفوسهم حملوا بها ما سمعوه من قول من قال إن المسيح ابن اللّٰه و إن عزيرا ابن اللّٰه : و لم يتزلزلوا و لو نزل ذلك على من ليست له هذه القوة لذاب في عينه لعظيم ما جاءه فانظر ما أكثف حجاب من اعتقد أن لله ولدا و ما أشد عماه عن الحقائق و ما مر علي في التجلي الإلهي أمر حيرني و أضعف قوتي أشد من قول الملائكة ﴿رَبَّنٰا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تٰابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذٰابَ الْجَحِيمِ﴾ [غافر:7] و اللّٰه يقول ﴿مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [التوبة:91] و أي إحسان أعظم ممن ثاب و اتبع سبيله و قول نوح و هو من الكمل من أهل اللّٰه ﴿وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً﴾ [نوح:28] فهذا كأنه أبقى شيئا فإنه ما طلب المغفرة إلا للمؤمن و لم يذكر اتباع سبيل اللّٰه لأن المؤمن قد يكون مخالف أمر اللّٰه و نهيه و اللّٰه يقول للمسرفين على أنفسهم ﴿إِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾ [الزمر:53] فهذا الصنف من الملائكة قاموا في مقام الأدب فحكم عليهم بهذا القول إيثارا للجناب الإلهي على الخلق و لهذا قدموا و أخروا و ما أخبر اللّٰه عنهم في قوله قبل هذا الدعاء ﴿وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً﴾ [غافر:7] ففيه روائح طلب المغفرة للمسيئين و أخروا أيضا قولهم ﴿وَ قِهِمُ السَّيِّئٰاتِ﴾ [غافر:9] أن تقوم بهم فإنه أتم في العناية ﴿وَ مَنْ تَقِ السَّيِّئٰاتِ يَوْمَئِذٍ﴾ [غافر:9] أي يوم تقيه ﴿فَقَدْ رَحِمْتَهُ﴾ [غافر:9] و هو قولهم ﴿وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً﴾ [غافر:7] فجاء ما ذكروه في الوسط بين هذين كأنه إيثار للجناب الإلهي كما «يقول النبي ﷺ في القيامة سحقا سحقا» و ما علق اللّٰه |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |