الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() إن غيري يقول إني عبد *** فإذا ما سببته قال مهلا [فإن الفقير المؤمن هو مجلى حقيقتك و أنت مأمور بمشاهدة نفسك]فيا أيها الولي الحميم لا ننسخ العلم بالظن فأخسر الأخسرين من كانت حاله هذه عزة الايمان أعلى و عزة الفقر أولى فليكن شأنك تعظيم المؤمن الفقير على المؤمن الغني بماله العزيز بجاهه المحجوب عن نفسه فإن الفقير المؤمن هو مجلى حقيقتك و أنت مأمور بمشاهدة نفسك حذر الخروج عن طريقها فالفقير المؤمن مرآتك ترى فيه نفسك و المؤمن الغني بالمال عنك هو مرآة لك صدئت فلا ترى نفسك فيها فلا تعرف ما طرا على وجهك من التغير فما عتب اللّٰه نبيه سدى بل أبان و اللّٰه في ذلك عن أرفع طريق الهدى و زجر عن طريق الردي فقال كلا ردعا و زجرا لحالة تحجبك عما ذكرته و قررته لك في هذه النصيحة فلا تعدل بالغنى و العزة مستحقهما و هو اللّٰه تعالى تكن من العلماء الكمل الذين لم يدنسوا علمهم بغفلة و لا نسيان معذرة و بعد أن أبنت لك عن الطريقة المثلى التي غاب عنها الرجال الذين شهد لهم بالكمال [إن الإنسان تملك الأحوال]فاعلم إن الأحوال تملك الإنسان لا بد من ذلك و إذا سمعت بشخص يملك الأحوال فإنه لا يملك حالا ما إلا بحال آخر فالحال الذي أوجب له ملك هذا الحال هو الحاكم عليه في الوقت فإن الوقت له فإن بعض الناس غلط في هذه المسألة من أهل طريقنا و جعلوا من الفروق بين الأنبياء عليه السّلام و بين الأولياء ملك الحال فقالوا الأنبياء يملكون الأحوال و الأولياء تصرفهم الأحوال و هو غلط كبير من كل وجه فإن الإنسان لا يخلو أبدا عن حال يكون عليه به يعامل وقته و هو الحاكم عليه [أن اللّٰه قد قرر في نفوس الأكابر تعظيم صفات الحق]و اعلم أن اللّٰه قد قرر في نفوس الأكابر من رجال اللّٰه تعظيم صفات الحق حيثما ظهرت فإن ظهرت على من هي فيه بحكم العرض كان تعظيم هذا الرجل الولي لصفة الحق لا للمحل الظاهرة فيه فإن غفل انحجب بالموصوف عن الصفة فعظمها من أجلها و ينبغي أن لا يكون ذلك إلا فيمن ألبسه الحق إياها لا فيمن سرقها فكان كلابس ثوبي زور كالمتشبع بما لا يملك و إذا عظم الولي صفة الحق إذا ظهرت له في شخص و بدت له صفته في شخص آخر أعرض عن صفته إعظاما أن يعرض عن الحق بمشاهدة نفسه فلم يقصد إلا التعظيم و ينجر مع ذلك تعظيم المحل الذي ظهرت فيه صفة الحق و إن كان ليس مقصودا للمعظم و مع هذا فالذي نبهناك عليه أولى و أحق بالتقديم من هذا و ما أحسن «قول النبي ﷺ حيث قال انزلوا الناس منازلهم أو قال أمرت أن أنزل الناس منازلهم» و منازل الناس و اللّٰه معلومة و لم يقل كل أحد منزلته و إنما قال الناس فالصفة التي تعمهم هي التي أمر النبي ﷺ أن ننزلهم فيها و هي التي ذكرناها و نبهناك عليها من الذلة و الافتقار و كل ما ورد في القرآن من وصف الإنسان بما ليس له بحقيقة فإنما هو في مقابلة أمر قد ادعاه من ليس من أهله فقوبل به من جنسه ليكون أنكى في حقه «قال في ذلك عبد اللّٰه بن أبي ابن سلول» ﴿لَئِنْ رَجَعْنٰا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون:8] فنخرج منها محمدا و أصحابه فجاء ولده فأخبر بذلك رسول اللّٰه ﷺ و استأذنه في قتل أبيه لما سمع اللّٰه يقول ﴿لاٰ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ﴾ [المجادلة:22] و كان من المنافقين فقال رسول اللّٰه ﷺ ما أريد أن يتحدث بأن محمدا يقتل أصحابه فأضاف اللّٰه العزة لرسوله و للمؤمنين في مقابلة دعوى المنافقين إياها فقال تعالى ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنٰا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَ لِلّٰهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لٰكِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لاٰ يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون:8] لمن ينسبون العزة فكيف ينسبونها إلى غير اللّٰه من المؤمنين و ما حظ الرسول و المؤمن منها و لم يقل تعالى بإخراجهم و كذلك ما أخرجهم بل هذا القائل لم يزل بالمدينة إلى أن مات و دفع لكفنه رسول اللّٰه ﷺ ثوبه جزاء ليد كانت له عند النبي ﷺ من جهة عمه العباس حين أسره في غزوة بدر فكساه هذا المنافق ثوبه فلم يبق للمنافق يوم القيامة مطالبة للنبي ﷺ من أجل ذلك إذا رأيت عارفا قد وقع في مثل هذا فاعلم أنه ما قصد سوى تعظيم صفة الحق و تصغير نفسه فإن كنت مثله في المقام أو أكبر منه فاذكره بما عرفتك به و إذا كان هذا المقام لك و أنت شاهد له فبالضرورة تكون أكبر منه في تلك الحالة و إن كنت نازلا عنه في غيرها فعلى كل وجه ذكره و إن كان حاله الايمان في ذلك الوقت فإنه يقبل الذكرى فإن انتهرك و قال لك لمثلي تقول هذا فاعلم أنه قد سقط من عين اللّٰه و قد حجبه اللّٰه عن عبوديته و عن الايمان فاتركه فقد فعلت ما فرضه اللّٰه عليك و ادع له فإن اللّٰه قد أعمى بصيرته عن سبيل |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |