اللفظة و نريد بها التأييد و هي منقطعة بالخبر الإلهي و تعريف النبي صلى اللّٰه عليه و سلم ﴿إِلاّٰ مٰا شٰاءَ رَبُّكَ﴾ [هود:107] بما يرزقون في النار من اللذة و النعيم بها ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعّٰالٌ لِمٰا يُرِيدُ﴾ [هود:107] و في الجنة ﴿خٰالِدِينَ فِيهٰا مٰا دٰامَتِ السَّمٰاوٰاتُ وَ الْأَرْضُ﴾ [هود:107] من حيث جوهرهما لا من حيث صورتهما و لهذا قال ﴿عَطٰاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود:108] أي غير مقطوع و يقع الاستثناء في قوله ﴿إِلاّٰ مٰا شٰاءَ رَبُّكَ﴾ [هود:107] من زوال صورتهما إذ كانت السماء سماء و الأرض أرضا فإنا نعلم أن جوهر السماء هو جوهر الدخان و تبدلت عليه الصور فالجوهر الذي قبل صورة الدخان هو الذي قبل صورة السماء كما قبل جوهر الطين و الحجر صورة البيت فإذا تهدم البيت و يبس الطين ذهبت صورة البيت و الطين و بقي عين الجوهر و كذلك العالم كله بالجوهر واحد و بالصور يختلف فاعلم ذلك فيكون الاستثناء في حق أهل النار لمدة عذابهم و يكون الاستثناء في حق أهل الجنة على معنى إلا أن يشاء ربك و قد شاء أن لا يخرجهم فهم لا يخرجون فإن اللّٰه ما شاء ذلك بقوله ﴿عَطٰاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود:108] و لم يقل في أهل النار عذابا غير مجذوذ فافهم فإن الخبر الصحيح المتواتر قد ورد فقال تعالى ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّمٰاوٰاتُ﴾ [ابراهيم:48] و وصف السماء بأنها تصير كالدهان : و وصفها بالانشقاق : و إنها تمور : و قال تعالى ﴿فَكٰانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهٰانِ﴾ [الرحمن:37] أي مثل الدهن الأحمر في اللون و السيلان فهذا كله إخبار عن ذهاب الصورة لا ذهاب الجوهر و مما يتضمن هذا المنزل علم ما أراد اللّٰه من الإنسان أن يشتغل به في حال اعتباره و تفكره لما يؤديه ذلك النظر إليه من المعرفة بخالقه لا بربه فإنه لكل اسم من أسماء اللّٰه في العالم دليل خاص لا يدل على غيره من حيث هو دليل عليه و من هنا تعلم أن الأرض خلقت من تموج الماء حتى أزبد فكان ذلك الزبد عين الأرض لأنه انتقل من المائية إلى الزبدية و في الزبد يكون الأرض و هذا هو السبب في اختراق الصالحين لها و جلوس الميت في قبره مع ردم الأرض عليه و حكم كل ما خلق منها حكمها و حكمها حكم الزبد و حكم الزبد حكم الماء و الماء يقبل الخرق و تحرك الأشياء فيه فيجري حكم هذا الأصل في جميع ما وجد عنه سواء كثف كالأرض أو سخف كالهواء و النار لكن النار للماء بمنزلة ولد الولد و الأرض للماء بمنزلة الولد و الهواء و الزبد للماء بمنزلة أولاد الصلب فالماء لهما أب و هو للنار جد من جهة الهواء و للأرض جد من جهة الزبد فبين خلق آدم و الماء وجود التراب الزبد فهو ولد ولد الولد من حيث كثافته و كذلك بما فيه من النار و بما فيه من الهواء هو ولد الولد و أما خلق حواء فبينها و بين الأصل ثلاثة آدم و التراب و الزبد فهي أبعد من الأصل و أما خلق بنى آدم فهم أقرب إلى الأصل من آدم فإنهم مخلوقون من الماء فهم من الماء مثل الزبد فهم أولاد الماء لصلبه و الزبد أخ لبني آدم و هو جد لآدم و أب للأرض فبنو آدم أعمام للأرض فتكون منزلة آدم من بنيه منزلة ابن الأخ من عم أبيه و يكون بنو آدم من آدم بمنزلة عم أبيه فهم أولاده و هو ولد ابن أخيهم فهم في الإسناد من هذا الوجه أقرب إلى السبب الأول و هو الجد الأعلى إلا بما في آدم من الماء الذي صار به التراب طينا ففيه إلحاق بولد الصلب بمنزلة من نكح امرأة و هي حامل من غيره فسقى زرع غيره فله فيه بما حصل له من ذلك السقي نصيب و أما خلق عيسى عليه السلام فبينه و بين الماء أمه و حواء و آدم و الأرض و الزبد إلا من وجه آخر فهو يشبهنا و قليل من يعثر عليه و قد نبه اللّٰه على ما أومأنا إليه بقوله ﴿فَتَمَثَّلَ لَهٰا بَشَراً سَوِيًّا﴾ [مريم:17] لما أراد اللّٰه فسرت اللذة بالنظر إليه بعد ما استعاذت منه و عرفها أنه رسول الحق ليهب لها غلاما زكيا : فتأهبت لقبول الولد فسرت فيها لذة النكاح بمجرد النظر فنزل الماء منها إلى الرحم فتكون جسم عيسى من ذلك الماء المتولد عن النفخ الموجب للذة فيها فهو من ماء أمه و ينكر ذلك الطبيعيون و يقولون إنه لا يتكون من ماء المرأة شيء و ذلك ليس بصحيح و هو عندنا إن الإنسان يتكون من ماء الرجل و من ماء المرأة و «قد ثبت عن النبي صلى اللّٰه عليه و سلم الذي لا ينطق عن الهوى : أنه قال إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرا و إذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثا و في رواية سبق بدل علا» فقد جاء بالضمير المثنى في أذكرا و أنثا و قد قلنا في كتاب النكاح لنا في هذا الفصل إن المرأة و الرجل إذا لم يسبق أحدهما صاحبه في إنزال الماء و أنزلا معا بحيث أن يختلطا و لا يعلو أحد الماءين على الآخر فإنه من أجل تلك الحالة إذا وقعت على تلك الصورة يخلق اللّٰه الخنثى فيجمع بين الذكورة و الأنوثة فإن كانا على السواء من جميع الجهات و الاعتدال من غير انحراف ماء من أحدهما كان الخنثى يحيض من فرجه و يمني من ذكره فيعطي الولد و يقبل الولد ممن ينكحه و قد روى أنه رؤي رجل و معه ولدان أحدهما من صلبه و الآخر من بطنه و إن انحرف الماء عن الاعتدال