الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
(التوحيد السادس)من نفس الرحمن هو قوله ﴿اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيٰامَةِ﴾ [النساء:87] هذا أيضا توحيد الابتداء و هو توحيد الهوية المنعوت بالاسم الجامع للقضاء و الفصل فمن رحمة اللّٰه أنه قال ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ [النساء:87] فما نجتمع إلا فيما لا نفترق فيه و هو الإقرار بربوبيته سبحانه و إذا جمعنا من حيث إقرارنا له بالربوبية فهي آية بشرى و ذكر خير في حقنا بسعادة الجميع و إن دخلنا النار فإن الجمعية تمنع من تسرمد الانتقام لا إلى نهاية لكن يتسرمد العذاب و تختلف الحالات فيه فإذا انتهت حالة الانتقام و وجدان الآلام أعطى من النعيم و الاستعذاب بالعذاب ما يليق بمن أقر بربوبيته ثم أشرك ثم وحد في غير موطن التكليف و التكليف أمر عرض في الوسط بين الشهادتين لم يثبت فبقي الحكم للأصلين الأول و الآخر و هو السبب الجامع لنا في القيامة فما جمعنا إلا فيما اجتمعنا فإذا استعذبوا العذاب أريحوا *** من أليم العذاب و هو الجزاء قال أبو يزيد الأكبر البسطامي و كل مآربي قد نلت منها *** سوى ملذوذ وجدي بالعذاب لم يقل بالألم و لنا في هذا الباب نظم كثير (التوحيد السابع)من نفس الرحمن هو قوله ﴿ذٰلِكُمُ اللّٰهُ رَبُّكُمْ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ خٰالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ﴾ [الأنعام:102] هذا توحيد الرب بالاسم الخالق و هو توحيد الهوية فهذا توحيد الوجود لا توحيد التقدير فإنه أمر بالعبادة و لا يأمر بالعبادة إلا من هو موصوف بالوجود و جعل الوجود للرب فجعل ذلك الاسم بين اللّٰه و بين التهليل و جعله مضافا إلينا إضافة خاصة إلى الرب فهي إضافة خصوص لنوحده في سيادته و مجده و في وجوب وجوده فلا يقبل العدم كما يقبله الممكن فإنه الثابت وجوده لنفسه و يوحد أيضا في ملكه بإقرارنا بالرق له و لنوحده توحيد المنعم لما أنعم به علينا من تغذيته إيانا في ظلم الأرحام و في الحياة الدنيا و لنوحده أيضا فيما أوجده من المصالح التي بها قوامنا من إقامة النواميس و وضع الموازين و مبايعة الأئمة القائمة بالدين و هذه الفصول كلها أعطاها الاسم الرب فوحدناه و نفينا ربوبية ما سواه قال يوسف لصاحبي السجن ﴿أَ أَرْبٰابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّٰهُ الْوٰاحِدُ الْقَهّٰارُ﴾ [يوسف:39] (التوحيد الثامن)من نفس الرحمن قوله تعالى ﴿اِتَّبِعْ مٰا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام:106] هذا توحيد الاتباع و هو من توحيد الهوية فهو توحيد تقليد في علم لأنه نصب الأسباب و أزال عنها حكم الأرباب لما قالوا ﴿مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلاّٰ لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ﴾ [الزمر:3] فلو قالوا ما نتخذهم و أبقوا العبودية لجناب اللّٰه تعالى لكان لهم في ذلك مندوحة بوضع الأسباب الإلهية المقررة في العالم فأمر ﷺ أن يعرض عن الشرك لا عن السبب فإنه قال في مصالح الحياة الدنيا ﴿وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ﴾ [البقرة:179] فعلل و لام العلة في القرآن كثير و هذا أيضا فيه ما في السابع من توحيد الاسم الرب و عمم إضافة جميعنا إليه و هنا خصص به الداعي فكأنه توحيد في مجلس محاكمة فيدخل فيه توحيد المقسط لإقامة الوزن في الحكم بين الخصماء بين ذلك قوله ﴿وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام:106] و خص به الداعي لمجيئه بالتوحيد الإيماني لا التوحيد العقلي و هو توحيد الأنبياء و الرسل لأنها ما وحدت عن نظر و إنما وحدت عن ضرورة علم وجدته في نفسها لم تقدر على دفعه فترك المشركين و آلهتهم و انفرد بغار حرا يتحنث فيه من غير معلم إلا ما يجده في نفسه حتى فجئه الحق و هو قوله ﴿اِتَّبِعْ مٰا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ﴾ [الأنعام:106] أي أنه لا يقبل الشريك فأعرض عنهم حتى يستحكم الايمان و أقمه بنفس الرحمن فاجعل له أنصارا و آمرك بقتال المشركين لا بالإعراض عنهم (التوحيد التاسع)من نفس الرحمن هو قوله ﴿إِنِّي رَسُولُ اللّٰهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ يُحيِي وَ يُمِيتُ﴾ [الأعراف:158] توحيد الهوية في الاسم المرسل و هو توحيد الملك و لهذا نعته بأنه يحيي و يميت إذ الملك هو الذي يحيي و يميت و يعطي و يمنع و يضر و ينفع فمن أعطى أحيا و نفع و من منع أضر و أمات و من منع لا عن بخل كان منعه حماية و عناية و جودا من حيث لا يشعر الممنوع و كان الضرر في حقه حيث لم يبلغ إلى نيل غرضه لجهله بالمصلحة فيما حماه عنه النافع و مات هذا الممنوع لكونه لم تنفذ إرادته كما لا تنفذ إرادة الميت فهذا منع اللّٰه و ضرره و إماتته فإنه المنعم المحسان فأرسل الرسل بالتوحيد تنبيها لإقرارهم في الميثاق الأول فقال ﴿وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107] فمن وحده بلسان رسوله لا من لسانه جازاه اللّٰه على توحيده جزاء رسوله فإن وحده |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||




