الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() فلم يبق في الوجود إلا الحضرة الإلهية خاصة غير أنه في قوله ﴿إِيّٰاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة:5] في حق نفسه للإبداع الأول حيث لا يتصور غيره ﴿وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5] في حق غيره للخلق المشتق منه و هو محل سر الخلافة ففي ﴿إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5] سجدت الملائكة و أبى من استكبر (وصل)في قوله تعالى﴿اِهْدِنَا الصِّرٰاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرٰاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّٰالِّينَ﴾ آمين فلما قال له ﴿إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5] قال له و ما عبادتي قال ثبوت التوحيد في الجمع و التفرقة فلما استقر عند النفس أن النجاة في التوحيد الذي هو الصراط المستقيم و هو شهود الذات بفنائها أو بقائها إن غفلت قالت ﴿اِهْدِنَا الصِّرٰاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة:6] فتعرض لها بقولها ﴿اَلْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة:6] صراطان معوج و هو صراط الدعوى و مستقيم و هو التوحيد فلم يكن لها ميز بين الصراطين إلا بحسب السالكين عليهما فرأت ربها سالكا للمستقيم فعرفته به و نظرت نفسها فوجدت بينها و بين ربها الذي هو الروح مقاربة في اللطافة و نظرت إلى المعوج عند عالم التركيب فذلك قولها ﴿صِرٰاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة:7] و هذا عالمها المتصل بها المركب مغضوب عليه و المنفصل عنها ضالون عنها بنظرهم إلى المتصل المغضوب عليه فوقفت على رأس الصراطين و رأت غاية المعوج الهلاك و غاية المستقيم النجاة و علمت إن عالمها يتبعها حيث سلكت فلما أرادت السلوك على المستقيم و أن تعتكف في حضرة ربها و أن ذلك لها و من نفسها بقولها ﴿إِيّٰاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة:5] عجزت و قصر بها فطلبت الاستعانة بقولها ﴿وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5] فنبهها ربها على اهدنا فتيقظت فقالت ﴿اِهْدِنَا﴾ [الفاتحة:6] فوصفت ما رأت بقولها ﴿اَلصِّرٰاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة:6] الذي هو معرفة ذاتك قال صاحب المواقف لا تأثير للعلم و قال أنت لما هلكت فيه ﴿صِرٰاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة:7] و قرئ في الشاذ "صراط من أنعم عليه" إشارة إلى الروح القدسي و تفسير الكل من أنعم اللّٰه عليه من رسول و نبي ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة:7] ليس كذلك ﴿وَ لاَ الضّٰالِّينَ﴾ [الفاتحة:7] يقول تعالى فهؤلاء لعبدي و لعبدي ما سأل فأجابها و أقام معوجها و أوضح صراطها و رفع بساطها يقول ربها أثر تمام دعائها آمين فحصلت الإجابة بالأمن تأمين الملائكة و صار تأمين الروح تابعا له اتباع الأجناد بل أطوع لكون الإرادة متحدة و صح لها النطق فسماها النفس الناطقة و هي عرش الروح و العقل صورة الاستواء فافهم و إلا فسلم تسلم ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] (فصول تأنيس و قواعد تأسيس) [تأويل بعض آيات من أوائل سورة البقرة]نظر الجمال بعين الوصال قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللّٰهُ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ وَ عَلىٰ سَمْعِهِمْ وَ عَلىٰ أَبْصٰارِهِمْ غِشٰاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ﴾ إيجاز البيان فيه يا محمد ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة:6] ستروا محبتهم في عنهم ف ﴿سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ﴾ [البقرة:6] بوعيدك الذي أرسلتك به ﴿أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة:6] بكلامك فإنهم لا يعقلون غيري و أنت تنذرهم بخلقي و هم ما عقلوه و لا شاهدوه و كيف يؤمنون بك و قد ختمت على قلوبهم فلم أجعل فيها متسعا لغيري و على سمعهم فلا يسمعون كلاما في العالم إلا مني ﴿وَ عَلىٰ أَبْصٰارِهِمْ غِشٰاوَةٌ﴾ [البقرة:7] من بهائي عند مشاهدتي فلا يبصرون سواى و لهم عذاب عظيم عندي أردهم بعد هذا المشهد السني إلى إنذارك و أحجبهم عني كما فعلت بك بعد ﴿قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ﴾ [ النجم:9] قربا أنزلتك إلى من يكذبك و يرد ما جئت به إليه مني في وجهك و تسمع في ما يضيق له صدرك فأين ذلك الشرح الذي شاهدته في إسرائك فهكذا أمنائي على خلقي الذين أخفيتهم رضاي عنهم فلا أسخط عليهم أبدا (بسط ما أوجزناه في |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |