الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() منصة و مجلى نعت المحب بأنه كثير التأوهو هو قوله ﴿إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ لَأَوّٰاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة:114] وصف الحق من كونه اسمه الرحمن أن له نفسا ينفس به عن عباده و في ذلك النفس ظهر العالم و لذلك جعل تكوين العالم بقول ﴿كُنْ﴾ [البقرة:12] و الحرف مقطع الهواء فالهواء يولده ما هو هو لأنه لا يظهر الحرف إلا عند انقطاع الهواء و الهواء نفس و لهذا الهواء في العناصر هو نفس الطبيعة و لهذا يقبل الحروف و هو ما يظهر فيه من الأصوات عند الهبوب و الظاهر من تلك الأصوات حرف الهاء و الهمزة و هما أقصى المخارج مخارج الحروف فإنهما مما يلي القلب و هما أول حروف الحلق بل حروف الصدر فهما أول حرف يصوره المتنفس و ذلك هو التأوه لقربه من القلب الذي هو محل خروج النفس و انبعاثه فيظهر عنه جميع الحروف كما يظهر العالم بالتكوين عن قول ﴿كُنْ﴾ [البقرة:12] و هو سر عجيب سأذكره في باب النفس بفتح الفاء إن شاء اللّٰه فإذا تجلى الحق من قلب المحب و نظرت إليه عين البصيرة لأن القلب وسع الحق و رأى ما يقع من الذم على هذه النشأة الطبيعية و هي تحتوي على هذه الأسرار الإلهية و إنها من نفس الرحمن ظهرت في الكون فذمت و جهل قدرها فكثر منه التأوه لهذه القادحة لما يرى في ذلك من الوضوح و الجلاء و الناس في عماية عن ذلك لا يبصرون فيتأوه غيرة على اللّٰه و شفقة على المحجوبين «لكون النبي ﷺ جعل كمال الايمان في المؤمن أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه» فلهذا يتأسف على من حرمه اللّٰه هذا الشهود و يتأوه لحبه في محبوبه من أجل ما يراه من عمى الخلق عنه و من شأن المحب الشفقة على المحبوب لأن الحب يعطي ذلك منصة و مجلى نعت المحب بأنه يستريح إلى كلام محبوبه و ذكره بتلاوة ذكرهقال تعالى ﴿إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ [الحجر:9] فسمى كلامه ذكرا فاعلم إن أصل وجود الكون لم يكن عن صفة إلهية إلا عن صفة الكلام خاصة فإن الكون لم يعلم منه إلا كلامه و هو الذي سمع فالتذ في سماعه فلم يتمكن له إلا أن يكون و لهذا السماع مجبول على الحركة و الاضطراب و النقلة في السامعين لأن السامع عند ما سمع قول كن انتقل و تحرك من حال العدم إلى حال الوجود فتكون فمن هنا أصل حركة أهل السماع و هم أصحاب وجد و لا يلزم فيمن فإن الوجد لذاته يقتضي ما يقتضي و إنما المحبوب يختلف فالحب و الوجد و الشوق و جميع نعوت الحب وصف للحب كان المحبوب ما كان إلا أني اختصصت في هذا الكتاب الحب المتعلق بالله الذي هو المحبوب على الحقيقة و إن كان غير مشعور به في مواطن عند قوم و مشعورا به عند قوم و هم العارفون فما أحبوا إلا اللّٰه مع كونهم يحبون أرواحهم و أهليهم و أصحابهم فاعلم ذلك حتى إن بعض الصالحين حكى لنا عنه أنه قال إن قيسا المجنون كان من المحبين لله و جعل حجابه ليلى و كان من المولهين و أخذت صدق هذا القول من حكايته التي قال فيها لليلى إليك عني فإن حبك شغلني عنك و ما قربها و لا أدناها و من شأن الحب أن يطلب المحب الاتصال بالمحبوب و هذا الفعل نقيض المحبة و من شأن المحب أن يغشى عليه عند فجأة ورود المحبوب عليه و يدهش و هذا يقول لها إليك عني و ما دهش و لا فنى فتحقق عندي بهذا الفعل صدق ما قاله هذا العارف في حق قيس المجنون و ليس ببعيد فلله ضنائن من عباده فمن هناك استراح المحبون إلى كلام المحبوب و ذكره و القرآن كلامه و هو ذكر فلا يؤثرون شيئا على تلاوته لأنهم ينوبون فيه عنه فكأنه المتكلم كما قال ﴿فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلاٰمَ اللّٰهِ﴾ [التوبة:6] و التالي إنما هو محمد ﷺ فأهل القرآن هم أهل اللّٰه و خاصته فهم الأحباب المحبون منصة و مجلى نعت |
|
||||||||
![]() |
![]() |
||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |