الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() حال عدمه و هي مسألة دقيقة في الترجيح في حال العدم و بذلك الافتقار الذاتي الذي في الممكن قبل الوجود إذا أراده الحق منه و أسرع إليه بحكم الإثبات الذي هو عليه [النور المختار من بين الأنوار]و أما النور المختار من الأنوار فإن الأنوار حجب و لذلك «قال في الأنوار الحجابية نور إني أراه» ثم وعد بالرؤية و هو نور فلا بد أن يكون النور الذي يظهر فيه لعباده مختارا من تلك الأنوار الحجابية كنور الأحدية و العزة و الكبرياء و العظمة فهذه كلها ترفع عن البصر و يبقى حكمها في القلب فبرفعها تقع الرؤية للحق تعالى و يبقى حكمها في القلب و يفنى العبيد عن الرؤية و لو لا ذلك لشهدوا نفوسهم عند شهوده [اختيار الصورة الآدمية]و أما اختياره الصورة الآدمية فلأنه خلق آدم على صورته فأطلق عليه جميع أسمائه الحسنى و بقوتها حمل الأمانة المعروضة و ما أعطته هذه الحقيقة أن يردها كما أبت السموات و الأرض و الجبال حملها ﴿وَ حَمَلَهَا الْإِنْسٰانُ إِنَّهُ كٰانَ ظَلُوماً﴾ [الأحزاب:72] لو لم يحملها ﴿جَهُولاً﴾ [الأحزاب:72] لأن العلم بالله عين الجهل به العجز عن درك الإدراك إدراك فإنه إذا علم إن ثم ما لم يعلم فما علم و هو العلم بأن ثم ما لا يعلم و ليس لعلمه متعلق إلا الجهل به [اختيار البراهين الوجودية من البراهين الجدلية و غيرها]و أما اختياره البراهين الوجودية من البراهين الجدلية و غيرها فلما تعطيه من تمام العلم بثبوت الحق و إبطال حجة الخصم و البراهين الجدلية ليست لها هذه القوة فإنها تبطل حجة الخصم و قد لا تثبت حقا و البراهين السوفسطائية تنتج حيرة و هي أقرب إلى البراهين الوجودية في العلم الإلهي من وجه من البراهين الجدلية [اختيار الشريعة المنزلة على النواميس الحكمية]و أما اختياره الشريعة المنزلة فلما لها من عموم التعلق بالدار الآخرة و مصالح الدنيا و ليست النواميس الحكمية الموضوعة لمصالح الدنيا و بقاء الخير في عالم الدنيا لها حكم لتحكم على اللّٰه بالقرب الإلهي و قبول الأعمال و رفع الدرجات و إثبات الجنات و دار الشقاء لا يستقل بذلك كله إلا الشرع المنزل من عند اللّٰه و أما الذين ابتدعوا عبادات و رعوها حق رعايتها ابتغاء رضوان اللّٰه مما لم يكتبها اللّٰه عليهم فهم أصحاب شرع منزل من عند اللّٰه فسنوا فيه سننا حسنة مناسبة لما سنها الشرع بالشرع المنزل فيهم و أباح لهم أن يسنوا و أما النواميس الحكمية فما هي التي سنها هؤلاء و لهذا جعل لهم الأجر [اختيار الحركة المستقيمة]و أما اختياره الحركة المستقيمة فإنه ﴿عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام:39] كما قال عن نفسه و اختص بها الإنسان الذي خلقه اللّٰه على صورة الحق و فيها يحشر السعيد يوم القيامة فهي له دنيا و آخرة فإن المجرمين يحشرون منكوسين و هي الحركة المنكوسة كما قال تعالى في حق المجرمين ﴿وَ لَوْ تَرىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نٰاكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ و الحركة المعوجة الأفقية في البهائم فلم تصح الحركة المستقيمة إلا لمن خلقه اللّٰه على الصورة و ذلك الإنسان الكامل الذي له هذه الصفة في الدنيا و الآخرة و لهذا خص بها ذكر آدم لأنه من أهل السعادة التي تبقي عليه هذه الحركة المستقيمة و لهذا نعت بالخلافة [اختيار الشمس]و أما اختياره الشمس فلما لها من الإمداد في جميع الكواكب المستنيرة علوا و سفلا و لهذا قال إبراهيم ع ﴿هٰذٰا أَكْبَرُ﴾ و اختصت على المذهبين بالقلب من الكرة و هي السماء الرابعة و فيها إدريس عليه السلام و اللّٰه قد ذكر أنه رفعه ﴿مَكٰاناً عَلِيًّا﴾ [مريم:57] فعلو هذا المكان من كونه قلب الأفلاك فهو مكان عال بالمكانة و ما فوقه و إن كان دونه فهو أعلى بالمسافة و بنسبته إلى رءوسنا و هو الذي أحدث الليل و النهار بطلوعه و غروبه الذي جعل اللّٰه لهما الغشيان و هو النكاح و الإيلاج لظهور أعيان المولدات و ما يحدث اللّٰه في الليل و النهار من المخلوقات عن هذا الإيلاج و الغشيان و جعل لكل واحد من هذين الموجودين عن الحركة الشمسية الطلب الحثيث لإبراز أعيان الحوادث عن هذا الطلب [اختياره محمد ص]و أما اختياره محمدا ﷺ فلما اقتضاه مزاجه دون الأمزجة الإنسانية من الكمال و الاعتدال إذ به شاهد نبوته و آدم بين الماء و الطين و هو متفرق الأجزاء في المولدات العنصرية و هي مسألة دقيقة لا يعرفها إلا من عرف أخذ الذرية من ظهر آدم حين ﴿أَشْهَدَهُمْ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف:172] ف ﴿قٰالُوا بَلىٰ﴾ [الأنعام:30] و هي الفطرة التي ولد الناس عليها و إليها ينتهون و في هذا الجمع «قال الأرواح أجناد مجندة» و لما جمعهم جمعهم في حضرة التمثيل فما كان وجها لوجه هناك تعارفوا هنا و ما وقع ظهر الظهر هناك تناكر هنا و ما بينهما من وجه إلى ظهر و جانب و غير ذلك و في هذا أقول إن القلوب لأجناد مجندة *** في حضرة الجمع تبدو ثم تنصرف فما تعارف منها فهو مؤتلف *** و ما تناكر منها فهو مختلف و إن كل أحد يقر بهذه الشهادة في الآخرة و لا ينكر و لا يدعي لنفسه ربوبية يقول تعالى ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ﴾ [البقرة:166] |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |