الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
﴿هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ [ق:30] و لا إن تقول أكل بعضي بعضا فنزول الحق برحمته إليها التي ﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] و حنانه وسع لها المجال في الدعوى و التسلط على من تجبر على من أحسن إليها هذا الإحسان و جميع ما تفعله بالكفار من باب شكر المنعم حيث أنعم عليها فما تعرف منه سبحانه إلا لنعمة المطلقة التي لا يشوبها ما يقابلها فالناس غالطون في شأن خلقها [المنافقون في الدرك الأسفل من جهنم]و من أعجب ما روينا عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم «أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم كان قاعدا مع أصحابه في المسجد فسمعوا هدة عظيمة فارتاعوا فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم أ تعرفون ما هذه الهدة قالوا اللّٰه و رسوله اعلم قال حجر ألقى من أعلى جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها» فكان وصوله إلى قعرها و سقوطه فيها هذه الهدة فما فرغ من كلامه صلى اللّٰه عليه و سلم إلا و الصراخ في دار منافق من المنافقين قد مات و كان عمره سبعين سنة «فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم اللّٰه أكبر فعلم علماء الصحابة أن هذا الحجر هو ذاك المنافق و أنه منذ خلقه اللّٰه يهوى في نار جهنم و بلغ عمره سبعين سنة فلما مات حصل في قعرها» قال تعالى ﴿إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّٰارِ﴾ [النساء:145] فكان سماعهم تلك الهدة التي أسمعهم اللّٰه ليعتبروا فانظر ما أعجب كلام النبوة و ما ألطف تعريفه و ما أحسن إشارته و ما أعذب كلامه صلى اللّٰه عليه و سلم [تخاصم أهل النار في النار]و لقد سألت اللّٰه أن يمثل لي من شأنها ما شاء فمثل لي حالة خصامهم فيها و هو قوله تعالى ﴿إِنَّ ذٰلِكَ لَحَقٌّ تَخٰاصُمُ أَهْلِ النّٰارِ﴾ [ص:64] و قوله تعالى ﴿قٰالُوا وَ هُمْ فِيهٰا يَخْتَصِمُونَ تَاللّٰهِ إِنْ كُنّٰا لَفِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ﴾ لضلالهم و آلهتهم ﴿إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعٰالَمِينَ وَ مٰا أَضَلَّنٰا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ﴾ و هم أهل النار الذين هم أهلها الذين يقول اللّٰه فيهم ﴿وَ امْتٰازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ [يس:59] يريد بالمجرمين أهل النار الذين يعمرونها و لا يخرجون منها يمتازون عن الذين يخرجون منها بشفاعة الشافعين و سابق العناية الإلهية في الموحدين [الرحمة التامة في التلقي من النبوة و الوقوف عند الكتاب و السنة]فهذا مثل لي في وقت منها فما شبهت خصامهم فيها إلا كخصام أصحاب الخلاف في مناظرتهم إذا استدل أحدهم فإذا رأيت ذلك تذكرت الحالة التي أطلعني اللّٰه عليها و رأيت الرحمة كلها في التسليم و التلقي من النبوة و الوقوف عند الكتاب و السنة و لقد عمي الناس عن «قوله صلى اللّٰه عليه و سلم عند نبي لا ينبغي تنازع» و حضور حديثه صلى اللّٰه عليه و سلم كحضوره لا ينبغي أن يكون عند إيراده تنازع و لا يرفع السامع صوته عند سرد الحديث النبوي فإن اللّٰه يقول ﴿لاٰ تَرْفَعُوا أَصْوٰاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات:2] و لا فرق عند أهل اللّٰه بين صوت النبي أو حكاية قوله فما لنا إلا التهيؤ لقبول ما يرد به المحدث من كلام النبوة من غير جدال سواء كان ذلك الحديث جوابا عن سؤال أو ابتداء كلام فالوقوف عند كلامه في المسألة أو في النازلة واجب فمتى ما قيل قال اللّٰه أو قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم ينبغي أن يقبل و يتأدب السامع و لا يرفع صوته على صوت المحدث إذا قال ما قال اللّٰه أو سرد الحديث عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم يقول اللّٰه تعالى ﴿فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلاٰمَ اللّٰهِ﴾ [التوبة:6] و ما تلاه إلا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و ما سمعه السامع إلا منه ثم إذا شاركه السامع في حال كلامه فهو ليس بسامع فإنه من الآداب التي أدب اللّٰه نبيه صلى اللّٰه عليه و سلم قوله ﴿وَ لاٰ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [ طه:114] و اللّٰه يقول ﴿لاٰ تَرْفَعُوا أَصْوٰاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لاٰ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ﴾ [الحجرات:2] و توعد على ذلك بحبط العمل من حيث لا يشعر الإنسان فإنه يتخيل في رده و خصامه أنه يذب عن دين اللّٰه و هذا من مكر اللّٰه الذي قال فيه ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاٰ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:182] و قال ﴿وَ مَكَرْنٰا مَكْراً وَ هُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ﴾ [النمل:50] فالعاقل المؤمن الناصح نفسه إذا سمع من يقول قال اللّٰه تعالى أو قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم فلينصت و يصغ و يتأدب و يتفهم ما قال اللّٰه أو ما قال رسوله صلى اللّٰه عليه و سلم يقول اللّٰه ﴿وَ إِذٰا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف:204] فأوقع الترجي مع هذه الصفة و ما قطع بالرحمة فكيف حال من خاصم و رفع صوته و داخل التالي و سأرد الحديث النبوي في الكلام و أرجو أن يكون الترجي الإلهي واجبا كما يراه العلماء [رؤي غيبة و اكتشافات علمية]و لما عاينت هذا المحل رأيت عجبا و في هذه الرؤية رأيت اعتماد الماء على الهواء و هو من أعجب الأشياء في عمارة الأحياز و إن جوهرين لا يكونان في حيز واحد و إن الحيز لن شغله و في هذه الرؤية علمت إبطال التوالد و أن المحرك للأشياء هو اللّٰه تعالى و أن السبب لا أثر له في الفعل جملة واحدة و في هذه الرؤية علمت إن الألطف أقوى من الأكثف فإن الهواء ألطف من الماء بلا شك و قد منعه و لم يقاومه الماء في القوة و منعه من النزول فإني رأيت نفسي في الهواء و الماء فوقي و يمنعه الهواء من النزول إلى الأرض و في هذه الرؤية علمت علوما جمة كثيرة |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





