الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
فنقول إنه أمر وجودي من حيث إنه يرانا كما قلنا فينا من حيث إنا ندركه فالأمر واحد فقد حرنا فينا و فيه فمن نحن و من هو و قد قال له بعضنا ﴿أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قٰالَ لَنْ تَرٰانِي﴾ [الأعراف:143] و قال عن نفسه ﴿أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللّٰهَ يَرىٰ﴾ [العلق:14] و خبره صدق [أن اللّٰه يرى]و قد أعلم أن بعض العالم يعلم أن اللّٰه يرى ثم قال بآلة الاستدراك فعطف ﴿وَ لٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكٰانَهُ فَسَوْفَ تَرٰانِي﴾ [الأعراف:143] ثم تجلى للجبل فاندك الجبل و لا أدري عن رؤية أو عن مقدمة رؤية لا بل عن مقدمة رؤية و صعق موسى عن تلك المقدمة ﴿فَلَمّٰا أَفٰاقَ قٰالَ(سُبْحٰانَكَ)تُبْتُ﴾ أي رجعت إلى الحالة التي لم أكن سألتك فيها الرؤية ﴿وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف:143] أي المصدقين بقولك ﴿لَنْ تَرٰانِي﴾ [الأعراف:143] فإنه ما نزل هذا القول ابتداء إلا علي فإنا أول المؤمنين به ثم يتبعني في الايمان به من سمعه إلى يوم القيامة فما ظهر لطالب الرؤية و لا للجبل لأنه لو رآه الجبل أو موسى لثبت و لم يندك و لا صعق فإنه تعالى الوجود فلا يعطي إلا الوجود لأن الخير كله بيديه و الوجود هو الخير كله فلما لم يكن مرئيا أثر الصعق و الاندكاك و هي أحوال فناء و الفناء شبيه بالعدم و الحق لا يعدم عدم العين و لكن يكون عنه العدم الإضافي و هو الذهاب و الانتقال فينقلك أو يذهبك من حال إلى حال مع وجود عينك في الحالين من مكان إلى مكان مع وجود عينك في كل واحد منهما و بينهما و هو قوله ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ [النساء:133] ... ﴿وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ﴾ [النساء:133] فالإتيان بصفة القدرة و الذهاب بالإرادة من حيث ما هو ذهاب خاصة و هذه التفاصيل في غير مفصل لا يكون و ليس من شأن المفصل الوجود فإنا نفصل المعدوم إلى محال و إلى ممكن مع كونه معدوما و بقي الكلام فيمن يفصله و الكلام عليه مثل الكلام في الرائي و المرئي و قد تقدم فما ذا نقول أو ما نعول عليه فرأينا أن نترك الأمر على حاله كان ما كان إذ الأغراض حاصلة و الإدراكات واقعة و اللذات حاكمة و الشهود دائم و النعيم به قائم و دع يكون ما يكون من عدم أو وجود أو حق أو خلق بعد أنه لا ينقصنا شيء مما نحتاج إليه لا نبالي و لو وقع الإخبار الإلهي لكان الكلام فيه و النظر على ما هو عليه الآن لا يزيد الأمر و لا ينقص فإنه إذا ورد فلا بد من سمع يتعلق به ذلك الخطاب و فهم و مدلول و متكلم و سامع و هذا عين ما كنا فيه فترك ذلك أولى و نقول ما يقول كل قائل فإن الأمر كله عين واحدة في الحيرة في ذلك فكله صدق ما هو باطل فإنه واقع في الذهن و في العين و في جميع الإدراكات فالجنوح إلى السلم أولى بالإنسان ف ﴿إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ﴾ [الأنفال:61] يعني في الاعتبار و الإشارات هذه الخواطر التي أدتك إلى النظر فيما أنت مستغن عنه فأنزلهم الحق هنا منزلة الأعداء لأهل الإشارات ف ﴿إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ﴾ [الأنفال:61] و هو الصلح بأن يترك الأمر على ما هو عليه و لا يخاض فيه فاتك إنما تخوض فيه لكونه آية من اللّٰه عليه و قد قال ﴿وَ إِذٰا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيٰاتِنٰا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّٰى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [الأنعام:68] و ليس إلا الاشتعال بما نأكل و نشرب و ننكح و تتصرف فيه من الأعمال المسروعة التي تؤدي إلى السعادة الأخروية و ما هذه الأمور قلنا لا ندري إنما نعمل كما أمرنا لنصل إلى ما قيل لنا فإنا ما كذبنا بل رأينا ما مضى كله حق لم يختل شيء منه كذلك ما بقي و قد جنحوا للسلم فأمرنا اللّٰه فقال لنبيه ص ﴿فَاجْنَحْ لَهٰا وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ﴾ [الأنفال:61] فالعاقل يقول بالسمع و الطاعة لأمر اللّٰه و هذه حالة معجلة و راحة فليس الظهور سوى ما ظهر *** و ليس البطون سوى ما استسر فأين الذهاب و أين الإياب *** و أين القرار و أين المقر فمنا إليه و منه إلينا *** و كل بحكم القضاء و القدر فلا تبكين على فائت *** فما فات شيء و ما ساء سر فما ثم إلا مضاف و ما *** يضاف إليه فجز و اعتبر و قل ما تشاء على من تشاء *** فإن الوجود بهذا ظهر ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] (الباطن حضرة البطون)السر ما بطنت فيه حقيقته *** و الجهر يظهره لكل ذي بصر لو لا البطون و لو لا سر حكمته *** ما فضل اللّٰه مخلوقا على البشر |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





