الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() و كنت وارث علم لا تزايلني *** أحكامه من علوم الكشف و الرصد [إن حضرة الالتجاء و الاستناد التي لجأ إليها]يدعى صاحبها عبد الصمد هذه الحضرة استوفينا أكثر تفاصيلها في كتاب مواقع النجوم لنا في عضو القلب منه في التجلي الصمداني فلنذكر في هذا الكتاب ما يليق به إن شاء اللّٰه فنقول إن هذه الحضرة هي حضرة الالتجاء و الاستناد التي لجأ إليها و استند كل فقير إلى أمر ما لعلمه أن ذلك الأمر الذي افتقر إليه في هذه الحضرة فغناها إنما هو بهذه الأمور الذي افتقر إليها بسببها و هل لها الغني النفسي الذي لقوله ﴿فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ﴾ [آل عمران:97] أم لا فذلك لا يحتاج إليه في هذا الموضع و الذي تمس الحاجة إليه في هذه الحضرة معرفة كون هذه الأمور التي يفتقر الفقراء إليها بسببها هل لها وجود في خزائن عندها كما جاء ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ عِنْدَنٰا خَزٰائِنُهُ﴾ [الحجر:21] فهي عين هذه الحضرة لا غير إذا حققت الأمر فالحق من حيث إنه ما من شيء إلا عنده خزائنه هو الصمد و لكن ليست الخزائن إلا المعلومات الثابتة فإنها عنده ثابتة يعلمها و يراها و يرى ما فيها فيخرج منها ما شاء و يبقى ما شاء و هي مع كونها في خزائن فيتخيل فيها الحصر و التناهي و إنما هي غير متناهية فأفقر الفقراء تلك الأشياء المختزنة فإنها تطلب الخروج من تلك الخزائن إلى الوجود حتى تراه ذوقا بعينها فإن الذي وجد منها ألقى فيه افتقار ما لم يوجد منها فافتقر نيابة عن الذي لم يوجد إلى اللّٰه أن يوجده لعين افتقاره إليه فهو كالمعين لذلك المختزن في افتقاره إلى الوجود و هو ما يجده الإنسان في نفسه من الطلب لأمر ليس عنده ليكون عنده مما هو في تلك الخزائن [أن الخزائن التي عند الحق على نوعين]و اعلم أن الخزائن التي عند الحق على نوعين نوع منها خزائن وجودية لمختزنات موجودة كشيء يكون عند زيد من جارية أو غلام أو فرس أو ثوب أو دار أو أي شيء كان فزيد خزانته و ذلك الشيء هو المختزن و هما عند اللّٰه فإن الأشياء كلها بيد اللّٰه فيفتقر عمرو إلى اللّٰه تعالى في ذلك الذي عند زيد أن يكون عنده كان ما كان فيلقي اللّٰه في قلب زيد أن يهب ذلك الشيء أو يبيعه أو يزهد فيه و يكرهه فيعطيه عمرا فمثل هذا من خزائن الحق التي عنده و العالم على هذا كله خزائن بعضه لبعضه و هو عين المختزن و العالم خزانة مخزون و انتقال مختزن من خزانة إلى خزانة فما أنزل منه شيء إلى غير خزانة فكله مخزون عنده فهو خزانته على الحقيقة التي لا يخرج شيء عنها و ما عدا الحق فإن المختزن يخرج عنها إلى خزانة أخرى فالافتقار للخزائن من الخزائن إلى الخزائن و الكل بيد اللّٰه و عنده فهو الصمد الذي يلجأ إليه في الأمور و يعول عليه و بهذه الحضرة يتعلق المتوكلون في حال توكلهم على ما توكلوا عليه فمنهم المتوكل على اللّٰه و منهم المتوكل على الأسباب غير أن الأسباب قد تخون من اعتمد عليها و لجأ إليها في أوقات و الحق تعالى لا يسلم من توكل عليه و فوض أمره إليه فكل كون صمد *** و كل عين أحد منكر معرف *** فكله مستند و الحق في قلوبنا *** مختزن متحد يحكم بالتأييد في *** اختزانه الأبد و ما له من مدة *** يجمع فيها المدد و من وجودي كان لي *** إذا عقلت المدد و إذا علمت إن الخزائن عنده و أنت الخزائن فأنت عنده و قد وسعه قلبك فهو عندك و أنت عنده فأنت عندك فلك من الصمدية قسط لأنه لا تكون المعرفة بالله الحادثة إلا بك فيصمد إليك فيها إذ لا تظهر إلا بك فأنت الصمد فيما لا يظهر إلا بك و من هذه الحضرة حصلت لك و لمن حصلت هذه المرتبة و لكن قف عند نهي ربك و تدبره لما قال لك على لسان رسوله في الشيء الذي تستتر به عند الصلاة في قبلتك أن تميل به نحو اليمين أو الشمال قليلا و لا تصمد إليه صمدا فهذا من الغيرة الإلهية إن يصمد إلى غيره صمدا و فيه إثبات للصمدية في الكون بوجه ما فذلك القدر الذي أشار إليه الشارع يكون حظ المؤمن من الصمدية و الجاهل يصمد إلى الأسباب صمدا و يجعل حكم الميل إلى اليمين و الشمال لصمدية الحق عكس القضية و إنما شرع النبي ﷺ في السترة الميل إلى اليمين أو الشمال ينبه على السبب القوي باليمين و على السبب الضعيف بالشمال الخارج فالخارج عن اللّٰه بالكلية هو صاحب اليمين و الذي لاح له بارقة من الحق ضعف اعتماده على السبب فجعله من الجانب الأضعف إذ لا بد من إثبات السبب و لا يصمد إلا إلى اللّٰه صمدا فاعلم ذلك فقد نبهتك و نصحتك ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] |
|
||||||||
![]() |
![]() |
||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |