الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() الممكنات و من صور التجلي فينظر صاحب هذه المشاهدة إلى الصورة في التجلي أو لصور أحكام الممكنات في عين الوجود الحق فينظر ما تستحقه تلك الصورة من مسمى الرزق و ما تطلبه لبقائها فيكون هذا العبد يرزقها ذلك إذا كان مشهده هذه الحضرة أعني حضرة الأرزاق ثم ينزل الأمر في الكائنات الخلقية و الأمرية بحسب حقائقها فيطلب عين الكون رزقه منه و أكثفه ما تطلبه المولدات من الأركان كالمعادن و النبات و الحيوان و قد جعل اللّٰه من الماء كل شيء حي و كل شيء حي فإن كل شيء مسبح لله بحمده و لا يكون التسبيح إلا من حي فكل شيء من الماء عينه و من الهواء حتى حيوان البحر الذي يموت إذا فارق الماء ما حياته إلا بالهواء الذي في الماء لأنه مركب فيقبل الهواء بنسبة خاصة و هو أن يمتزج بالماء امتزاجا لا يسمى به هواء كما أن الهواء المركب فيه الماء و به يكون مركبا لكن امتزج الماء به امتزاجا خاصا لا يسمى به ماء فإذا كانت حياة الحيوان بهواء الماء مات عند فقده ذلك الهواء الخاص و كذلك حيوان البر إذا غرق في الماء مات لأن حياته بالهواء الذي مازجه الماء لا بالماء الذي مازجه الهواء و ثم حيوان بري بحري و هو حيوان شامل برزخي له نسبة إلى قبول الهواءين فيحيي بالهواء كما يحيي البري و يحيي في الماء كما يحيي البحري و بالهواء تكون حياته في الموضعين و الماء أصله في كونه حيا فالرزق في عالم الأركان الهواء فيما في كل مطعوم و مشروب من ركن الهواء به تكون الحياة لمن يتغذى به من كل شيء حي من نبات و معدن و حيوان و إنسان و جان و أما الملائكة المخلوقة من أنفاس العالم عند تنفسهم فلهم غذاء أيضا من الأركان لا بد من ذلك و يخرج الملك من المتنفس بحسب ما يكون في قلب ذلك المتنفس من الخواطر فإن تلفظ المتنفس خرج النفس بحسب ما تلفظ به مفصلا في الصورة تفصيله حروفا في الكلمة و بهذا القدر تكون كيفية الانفعال عن خواص الحروف لمن شهد ذلك و إن لم يتلفظ و خرج النفس من غير لفظ فإنه يخرج هيولائيا لا صورة له معينة فيتولى اللّٰه تصويره بحسب ما كان عليه العبد في باطنه عند التنفس فيركبه اللّٰه في تلك الصورة فإن تعرى المحل المتنفس عن كل شيء كتنفس النائم الذي لا رؤيا له في منام و لا هو في الحس فإن اللّٰه يصور ذلك النفس بصورة ما نام عليه عند فراقه الإحساس كان الذكر ما كان أو الخاطر في القلب ما كان فإذا أقيم العبد في هذه الحضرة التي نحن بصددها و نظر إلى ما تكون عنه أمده من الرزق ما به بقاؤه فإنه خالقه و الرزق تابع للخلق فخالق الشيء هو رازقه و لا تكون في مقام خلق الأشياء إلا إذا أشهدك الحق ما ينفعل عنك فعند ذلك تشاهد طلبة ما تكون عنك بما يحتاج إليه من الرزق فترزقها كما تسعى هنا في اقتناء الرزق الذي تطلبه منك عائلتك سواء و هذا لا يقدح في إن اللّٰه هو الرزاق و إنما كلامنا في تقرير الأسباب و إثباتها كما قررها الحق عزَّ وجلَّ و أثبتها [إذا تجلى الحق للإنسان في أي حالة]و قد بينا لك في غير موضع أن الإنسان إذا تجلى له الحق في منام أو غيره في أي صورة تجلى فلينظر فيما يلزم تلك الصورة المتجلي فيها من الأحكام فيحكم على الحق بها في ذلك الموطن فإن مراد اللّٰه فيها ذلك الحكم و لا بد و لهذا تجلى فيها على الخصوص دون غيرها و يتحول الحكم بتحول الصور فاعلم ذلك فكذلك أيضا رزق الصور يتنوع بتنوع الصور فما به غذاء صورة قد لا يكون به غذاء صورة أخرى و ليس غذاء الصور سوى رزقها فإذا تصورت المعاني كالعلم في صورة اللبن و الثبات في الدين في صورة القيد فرزق تلك الصورة ما أريدت له فإن كانت رؤيا فأصاب عابرها ما أراد اللّٰه بها بتلك الصورة فذلك رزقها فدامت حياتها و بقاؤها و صورة ذلك ما يناله الرائي و المكاشف من ذلك كما «رأى النبي ﷺ يشرب اللبن حتى خرج الري من أظافره مما تضلع منه فقيل له ما أولته يا رسول اللّٰه فقال العلم» يعني أن العلم ظهر في صورة اللبن و لما كان العلم لبنا وصف نفسه بالشرب منه و التضلع إلى أن خرج الري من أظافره فنال كما قال علم الأولين و الآخرين و ما خرج منه من الري هو ما خرج إلى الناس من العلم الذي أعطاه اللّٰه لا غير ثم أعطى ما فضل في الإناء عمر فكان ذلك الفضل القدر الذي وافق عمر الحق فيه من الحكم كحكمه في أسارى بدر و في الحجاب و غير ذلك ففاز به دون غيره من عند اللّٰه و هكذا كل من حصل له مثل هذا من عند اللّٰه كالمتقي إذا اتقى اللّٰه جعل له فرقانا : و هو علم يفرق به بين الحق و الباطل في غوامض الأمور و مهماتها عند تفصيل المجمل و إلحاق المتشابه بالمحكم في حقه فإن اللّٰه أنزله متشابها و مجملا ثم أعطى |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |