الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() اختصاص الرحمة و شمولها و علم الأسماء المركبة التي لله و علم عواقب الأمور و علم العالم و علم مراتب السيادة في العالم و علم الثناء بالثناء و علم الملك و الملكوت و علم الزمان و علم الجزاء و علم الاستناد و علم التعاون و علم العبادة و علم البيان و التبيين و علم طرق السعادة و علم النعمة و المنعم و الإنعام و علم أسباب الطرد عن السعادة التي لا يشوبها بها شقاء و علم الحيرة و المتحيرين و علم السائل و المجيب و علم التعريف بالذات و الإضافة و أي التعريفين أقوى هذه أمهات العلوم التي يحوي عليها هذا المنزل و كل علم منها فتفاصيله لا تنحصر إلا لله تعالى أي يعلم مع علمه بها أنها لا تنحصر لأنها لا نهاية لها و منها تقع الزيادة في العلم لمن طلبها و من أعطيها من غير طلب و هو قوله ﴿وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [ طه:114] فإن تناهي العلم في نفسه فإن المعلوم لا ينتهي و قد نهيت النفس عن قولها *** بالانتهاء فيه فلم تنته لجهلها بالأمر في نفسه *** لذاك قالت إنه ينتهي و قد رأينا نفرا منهم *** بمكة يجول في مهمه قد حكمت أوهامهم فيهم *** فانحاز ذو اللب من الأبله [عالم الإنسان كان ملكا لله تعالى]و اعلم أن عالم الإنسان لما كان ملكا لله تعالى كان الحق تعالى ملكا لهذا الملك بالتدبير فيه و بالتفصيل و لهذا وصف نفسه تعالى بأن ﴿لِلّٰهِ جُنُودُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ﴾ [الفتح:4] و قال ﴿وَ مٰا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّٰ هُوَ﴾ [المدثر:31] فهو تعالى حافظ هذه المدينة الإنسانية لكونها حضرته التي وسعته و هي عين مملكته و ما وصف نفسه بالجنود و القوة إلا و قد علم أنه تعالى قد سبقت مشيئته في خلقه أن يخلق له منازعا ينازعه في حضرته و يثور عليه في ملكه بنفوذ مشيئته فيه و سابق علمه و كلمته التي لا تتبدل سماه الحارث و جعل له خيلا و رجلا و سلطه على هذا الإنسان فاجلب هذا العدو على هذا الملك الإنساني يخيله و رجله و وعده بالغرور و بسفراء خواطره التي تمشي بينه و بين الإنسان فجعل اللّٰه في مقابلة أجناده أجناد ملائكته فلما تراءى الجمعان و هو في قلب جيشه جعل له ميمنة و ميسرة و تقدمة و ساقة و عرفنا اللّٰه بذلك لنأخذ حذرنا منه من هذه الجهات فقال اللّٰه تعالى لنا إنه قال هذا العدو ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمٰانِهِمْ وَ عَنْ شَمٰائِلِهِمْ﴾ و هو في قلب جيشه في باطن الإنسان فحفظ اللّٰه هذا الملك الإنساني بأن كان اللّٰه في قلب هذا الجيش و هذا العسكر الإنساني في مقابلة قلب جيش الشيطان و جعل على ميمنته الاسم الرب و على ميسرته الاسم الملك و على تقدمته الاسم الرحمن و في ساقته الاسم الرحيم و جعل الاسم الهادي يمشي برسالة الاسم الرحمن الذي في المقدمة إلى هذا الشيطان و ما هو شيطان الجان و إنما أعني به شيطان الإنس فإن اللّٰه يقول ﴿شَيٰاطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ﴾ [الأنعام:112] و قال ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوٰاسِ الْخَنّٰاسِ اَلَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّٰاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّٰاسِ﴾ فإن شياطين الإنس لهم سلطان على ظاهر الإنسان و باطنه و شياطين الجن هم نواب شياطين الإنس في بواطن الناس و شياطين الجن هم الذين يدخلون الآراء على شياطين الإنس و يدبرون دولتهم فيفصلون لهم ما يظهرون فيها من الأحكام و لا يزال القتال يعمل على هذا الإنسان المؤمن خاصة فيقاتل اللّٰه عنه ليحفظ عليه إيمانه و يقاتل عليه إبليس ليرده إليه و يسلب عنه الايمان و يخرجه عن طريق سعادته حسدا منه فإنه إذا أخرجه ﴿تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ [البقرة:167] و جثا بين يدي ربه الذي هو مقدم صاحب الميمنة و يجعله سفيرا بينه و بين الاسم الرحمن و عرفنا اللّٰه بذلك كله لنعرف مكايد فهو يقول للإنسان بما يزين له أكفر فإذا كفر يقول له ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخٰافُ اللّٰهَ رَبَّ الْعٰالَمِينَ فَكٰانَ عٰاقِبَتَهُمٰا أَنَّهُمٰا فِي النّٰارِ خٰالِدَيْنِ فِيهٰا﴾ لأن الكفر هنا هو الشرك و هو الظلم العظيم و لذلك قال ﴿وَ ذٰلِكَ جَزٰاءُ الظّٰالِمِينَ﴾ [المائدة:29] يريد المشركين فإنهم الذين لبسوا إيمانهم بظلم و فسره رسول اللّٰه ﷺ بما قاله لقمان لابنه ﴿يٰا بُنَيَّ لاٰ تُشْرِكْ بِاللّٰهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان:13] فعلمنا بهذا التفسير أن اللّٰه أراد بالإيمان هنا في قوله ﴿وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمٰانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام:82] إنه الايمان بتوحيد اللّٰه لأن الشرك لا يقابله إلا التوحيد فعلم النبي ﷺ ما لم تعلمه الصحابة و لهذا ترك التأويل من تركه من العلماء و لم يقل به و اعتمد على الظاهر و ترك ذلك لله إذ قال ﴿وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّٰهُ﴾ [آل عمران:7] فمن أعلمه اللّٰه بما أراده في قوله علمه بإعلام اللّٰه لا بنظره و من رحمة اللّٰه بخلقه أنه غفر للمتأولين من أهل ذلك اللسان العلماء به إذا |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |