الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() عبد الملك [المخلوق ملك على الإطلاق و الحق ملك الملك]اعلم أن الملك الذي أحدث هذه الحقيقة التي تسمى ملكا فإذا تسمى بها العبد و اتصف الحق بالملك لم يتصف به اتصاف المخلوق فإن المخلوق ملك على الإطلاق و الحق ملك الملك لا ملك على الإطلاق فإنه لا يكون ملكا للعبد حتى تظهر عند العبد عبوديته له تعالى و يظهر عنده كونه ملكا لمليكه و هو اللّٰه تعالى و إنما قلنا هذا الأجل طائفة أعطاها نظرها إلى اللّٰه إن اللّٰه لا يعلم الجزء على التعيين و إنما يعلم الكل الذي يتضمن الجزء بخلاف أهل الحق أهل الكشف و الوجود و لهذا كان له اسم الملك و الملك أي هذا الوصف ظهر عن شدة لكون أصحاب هذا النظر العقلي لا يثبتونه فلما لم تجتمع عليه العقول وقعت فيه المنازعة فاستخلصه الحق ملكا أي عن شدة و استخلص العبد العارف الحق ملكا له أي عن شدة لأجل المنازع فسماه ملك الملك ليفرق بينه و بين كون المخلوق ملكا لله فيتصف المخلوق بالعبودية لله في كونه ملكا له و يتصف الحق بملك الملك و لا يتصف بالعبودية له و إن كان في الحق تأثير من الخلق كما تقدم و مع هذا فلا يتصف بالعبودية لأن ذلك ليس عن ذلة لأنه تعالى الأصل في ذلك التأثير فما عاد عليه إلا ما كان منه بخلاف الخلق فإن المخلوق يعود عليه ما كان منه و يقوم به ما لم يكن منه بابتداء من الحق فاعلم ذلك نشء صورة الركعة التاسعة من الوتر انتشا منها صورة رجل من رجال اللّٰه يقال له عبد الهادي اعلم أن الهداية أثر إلهي في قوله ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللّٰهُ فَلاٰ هٰادِيَ لَهُ﴾ [الأعراف:186] و أثر كوني في قوله ﴿وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ﴾ [الرعد:7] و يعود معناه إلى الأول فإن الهادي الكوني لا يكون إلا رسولا من عند اللّٰه فهو مبلغ لا هاد معناه لا موفق لكنه هاد بمعنى مبين قال تعالى في البيان الذي لهم و التبيان الذي أوجبه عليهم اللّٰه تعالى ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنّٰاسِ مٰا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل:44] و قال في الهداية التي هي التوفيق ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدٰاهُمْ﴾ [البقرة:272] أي ليس عليك إن توفقهم لقبول ما أرسلتك به و أمرتك بتبيانه ﴿وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ يَهْدِي﴾ [البقرة:272] أي يوفق ﴿مَنْ يَشٰاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص:56] أي بالقابلين التوفيق فإنه على مزاج خاص أوجدهم عليه فهؤلاء الهداة هم هداة البيان لا هداة التوفيق و للهادي الذي هو اللّٰه الإبانة و التوفيق و ليس للهادي الذي هو المخلوق إلا الإبانة خاصة و إنما قلنا ذلك و استشهدنا بما استشهدنا به لما تقرر عند ما لا علم له بالحقائق إن العبد إذا صدق فيما يبلغه عن اللّٰه في بيانه أثر ذلك في نفوس السامعين و ليس كما زعموا فإنه لا أقرب إلى اللّٰه و من اللّٰه و لا أصدق في التبليغ عن اللّٰه و لا أحب في القبول فيما جاء به من عند اللّٰه من الرسل صلوات اللّٰه عليهم و سلامه و مع هذا فما عم القبول من السامعين بل قال الرسول الصادق في التبليغ و ما يزيدهم ﴿دُعٰائِي إِلاّٰ فِرٰاراً﴾ [نوح:6] فلما لم يعم مع تحققنا هذه الهمة علمنا إن الهمة ما لها أثر جملة واحدة في المدعو و الذي قبل من السامعين ما قبل من أثر همة الداعي الذي هو المبلغ و إنما قبل من حيث ما وهبه اللّٰه في خلقه من مزاج يقتضي له قبول هذا و أمثاله و هذا المزاج الخاص لا يعلمه إلا اللّٰه الذي خلقهم عليه و هو قوله تعالى ﴿وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [الأنعام:117] فلا نقل بعد هذا إذا حضرت مجلس مذكر داع إلى اللّٰه فلم تجد أثرا لكلامه فيك إن هذا من عدم صدق المذكر لا بل هو العيب منك من ذاتك حيث ما فطرك اللّٰه في ذلك الوقت على القبول فإن المنصف ينظر فيما جاء به هذا الداعي المذكر فإن كان حقا و لم يقبله فيعلم على القطع أن العيب من السامع لا من المذكر فإذا حضر في مجلس مذكر آخر و جاء بذلك الذكر عينه و أثر فيه فيقول السامع بجهله صدق هذا المذكر فإن كلامه أثر في قلبي و العيب منك و أنت لا تدري فلتعلم إن ذلك التأثير لم يكن لقبولك الحق فإنه حق في المذكرين في نفس الأمر و إنما وقع التأثير فيك في هذا المجلس دون ذلك لنسبة بينك و بين هذا المذكر أو بينك و بين الزمان فأثر فيك هذا الذكر و الأثر لم يكن للمذكر إذ قد كان الذكر و لا أثر له فيك و إنما أثرت المناسبة التي بينتها لك الزمانية أو النسبة التي بينك و بين هذا المذكر و ربما أثر لاعتقادك فيه و لم يكن لك اعتقاد في ذلك الآخر فما أثر فيك سواك أو ما أشبه ذلك و لهذا قلنا في تفسير الهداية الإلهية بالتوفيق و البيان فقولنا بالتوفيق أي بموافقة النسبة بين السامع و المذكر لا بالبيان فإن البيان فرضناه واقعا في الحالتين من المذكرين و لم يقع القبول إلا في إحدى الحالين فاعلم ذلك و تحققه ترشد إن شاء اللّٰه و أقل فائدة في هذه المسألة سلامة المذكر من تهمتك إياه بعدم الصدق في تذكيره و رده و ردك الحق فإن السليم العقل يؤثر فيه الحق جاء على يدي من جاء و لو جاء على لسان مشرك بالله عدو لله كاذب على اللّٰه ممقوت عند اللّٰه لكن الذي جاء هو به حق فيقبله العاقل من حيث ما هو حق لا من حيث المحل الذي ظهر به و بهذا يتميز طالب الحق من غيره نشء صورة الركعة العاشرة من الوتر انتشا منها رجل من |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |