الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() أهل اللّٰه إذا أدرج نور عقله في نور إيمانه صوب رأى المنزهة إذ ما تعدت ما كشفته لهم أنوارها و صوب رأى المشبهة إذ ما تعدت ظاهر ما أعطاها نور إيمانها بما ضرب اللّٰه لها من المثل فعرفه الكامل عقلا و إيمانا فحاز درجة الكمال كما حاز الخيال درجة الحس و المعنى فلطف المحسوس و كثف المعنى فكان له الاقتدار التام و لذلك قال يعقوب لابنه ﴿لاٰ تَقْصُصْ رُؤْيٰاكَ عَلىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً﴾ [يوسف:5] لما علم من علمهم بتأويل ما مثل الحق له في رؤياه إذ ما كان ما رآه و ما مثل له إلا عين إخوته و أبويه فأنشأ الخيال صور الأخوة كواكب و صور الأبوين شمسا و قمرا و كلهم لحم و دم و عروق و أعصاب فانظر هذه النقلة من عالم السفل إلى عالم الأفلاك و من ظلمة هذا الهيكل إلى نور هذا الكوكب فقد لطف الكثيف ثم عمد إلى مرتبة التقدم و علو المنزلة و المعاني المجردة فكساها صورة السجود المحسوس فكثف لطيفها و الرؤيا واحدة فلو لا قوة هذه الحضرة ما جرى ما جرى و لو لا أنها في الوسط ما حكمت على الطرفين فإن الوسط حاكم على الطرفين لأنه حد لهما كما إن الآن عين الماضي و المستقبل كما إن الإنسان الكامل جعل اللّٰه رتبته وسطا بين كينونته مستويا على عرشه و بين كينونته في قلبه الذي وسعه فله نظر إليه في قلبه فيرى أنه نقطة الدائرة و له نظر إليه في استواءه على عرشه فيرى أنه محيط الدائرة فهو بكل شيء محيط فلا يظهر خط من النقطة إلا و نهايته إلى المحيط و لا يظهر خط من المحيط من داخله إلا و نهايته إلى النقطة و ليست الخطوط سوى العالم فإنه ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ [النساء:126] و الكل في قبضته ﴿وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود:123] فالخلاء ما فرض بين النقطة و المحيط و هو الذي عمر العالم بعينه و كونه و فيه ظهرت الاستحالات من نقطة إلى محيط و من محيط إلى نقطة فما خرج عنه عزَّ وجلَّ شيء و لا ثم شيء خارج عن المحيط فيدخل في إحاطته بل الكل منه انبعث و إليه ينتهي و منه بدأ و إليه يعود فمحيطه أسماؤه و نقطته ذاته فلهذا هو الواحد العدد و الواحد الكثير فما كل عين له ناظر إلا عين الإنسان و لو لا الإنسان العين ما نظرت عين الإنسان فبالإنسان نظر الإنسان فبالحق ظهر الحق فقلنا فيه حق *** و قلنا فيه خلق و قلنا فيه در *** و قلنا فيه حق فهو الملك و الملك *** و هو الفلك و الفلك فإذا ما هويته *** قال للحب هيت لك أي حسنت هيأتي إذ هيت لك إذ لو لا حسن العالم ما علم حسن القديم و لا جماله و لو لا جمال الحق ما ظهر في العالم جمال فالأمر دوري و به دار الفلك فدوران الفلك سعيه و ما برح من مكانه فهو بكليته المنتقل الذي لم يفارق مكانه تنبيها من اللّٰه لعباده أو ضرب مثل أن الحق و إن أوجد العالم و وصف نفسه بما وصف ما زال في منزلة تنزيهه و تمييزه عن خالقه بذاته مع معينه بكل خلق من خلقه بخلاف الخطوط فإنها متحركة من الوسط و إلى الوسط فهي مفارقة و قاطعة منازل و حركة الوسط لم تفارق منزلتها و لا تحركت في غيرها و هي أعجوبة المسائل التي حار فيها المجيب و السائل ألا أيها الفلك الدائر *** لمن أنت في سيركم سائر إلينا فنحن بأحشائكم *** إليه فسيركم بائر تعالى عن الحد في نفسه *** و قال هو الباطن الظاهر تدور علينا بأنفاسنا *** و أنت لنا الحكم القاهر فشغلك بي شغل شاغل *** و أنت إذا ما انقضى خاسر فإن كنت في ذاك عن أمره *** فأنت به الرابح التاجر و من فوقكم ثم من [1]فوقه *** إله لرتقكم فاطر تعين بالفتق في رتقكم *** فعقلك في صنعه حائر لذاك تدور و ما تبرحن *** بمثواك و المقبل الغابر فقف فأبى الجبر إلا السري *** و قال أنا الكاسر الجابر سترت عيون النهي فانثنت *** و قد علمت أنني الساتر فسبحان من حكمه حكمة *** و من عينه الوارد الصادر [1] الضمير في فوقه يعود على الفوق الأول اه من خط المصنف > |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |