الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() حظ قريبا هل السحر الذين قال اللّٰه فيهم ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ﴾ [ طه:66] أي إلى موسى ﴿مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ﴾ [ طه:66] و ليست بساعية في نفس الأمر و هي ساعية في نظر موسى و نظر الحاضرين إلا السحرة فإنهم يرونها حبالا و الغريب لو ورد لرآها كما يراها الساحر بخلاف من له النيابة على عالم الخيال و في حضرته كموسى فإنه لا يرى ما يجسده من المعاني جسدا كما جسدوه و يراه هو معنى إنما ذلك للساحر لعدم قوته و ما بين الساحر و بين صاحب هذه النيابة كموسى إلا كون الحق جعله نائبا عنه و اتخذه موسى وكيلا ﴿فَأَلْقىٰ مُوسىٰ عَصٰاهُ﴾ [الشعراء:45] عن أمر حق و هو أمر موكله فقال له ﴿أَلْقِ عَصٰاكَ﴾ [الأعراف:117] فرآها حية فخاف و أخبر عن السحرة أنهم ﴿فَأَلْقَوْا حِبٰالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ﴾ [الشعراء:44] لا عن أمر إلهي بل عن حكم أسماء كانت عندهم لها في عيون الناظرين خاصية النظر إلى ما يريد الساحر إظهاره فله بتلك الأسماء قلب النظر لا قلب المنظور فيه و بالأمر الإلهي قلب المنظور فيه فيتبعه النظر فالنظر ما انقلب في حق النائب و الفعل في النظر و في المنظور فيه لم يكن إلا بعد الإلقاء فلما خرج عن ملك من ألقاه تولى اللّٰه قلب المنظور في حق النائب و قلب النظر في حق من ليس بنائب و له علم هذه الأسماء التي هي سيميا أي علامات على ما ظهر في أعين الناظرين فالعموم عند كشف الغطاء بالموت و انتقالهم إلى البرزخ يكونون هنالك مثل ما هم في الدنيا في أجسامهم سواء إلا أنهم انتقلوا من حضرة إلى حضرة أو من حكم إلى حكم و العارفون نواب الحق لهم هذا الحكم في الحياة الدنيا و إنما كانت النيابة هنا نيابة توحيد لأنه لا يظهر الحكم إلا بعد الإلقاء و هو أن يخرج الأمر من ملك الملقي فيتولاه اللّٰه بحكم الوكالة في حق النائب و بحكم الحقيقة في حق الساحر للغيرة الإلهية فلا يكون حكم في الأشياء إلا لله و بقي لصاحب هذه النيابة في هذه الحضرة التصرف دائما كما ذكرناه المسمى في العامة كرامات و آيات و خرق عوائد و هي عند المحققين ليست بخرق عوائد بل هي إيجاد كوائن لأنه ما ثم في نفس الأمر عوائد لأنه ما ثم تكرار فما ثم ما يعود و هو قوله في أصحاب العوائد ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ق:15] يقول إنهم لا يعرفون أنهم في كل لحظة في خلق جديد فما يرونه في اللحظة الأولى ما هو عين ما يرونه في اللحظة الثانية و هم في لبس من ذلك فلا إعادة فلا خرق هكذا يدركه المحققون من أهل اللّٰه و ليس الأمر إلا كما ذكرناه فإنه بهذا يكون الافتقار للخلق دائما أبدا و يكون الحق خالقا حافظا على هذا الوجود وجوده دائما بما يوجده فيه من خلق جديد لبقائه فانظر فديتك فيما قد أتيت به *** فالعلم يدرك ما لا يدرك البصر فرجال العلم أولى بالعبر *** و رجال العين أولى بالنظر فالذي يوصف بالعقل له *** قوة تخرجه عن البصر و الذي يوصف بالكشف له *** صورة تسمو على كل الصور فتراه دائما في حاله *** ظاهرا من غير إلى غير فيتصرف النائب في هذه الأغيار الخيالية كما يريد و يشاء و لكن عن أمر وكيله لجهل الموكل بالصالح التي يعرفها الوكيل في التصريف فإن غلط و تصرف عن غفلة بغير أمر الوكيل فإن اللّٰه يحفظ عليه وقته لكون الوكالة كما قلنا دورية و لكن مع هذا الحفظ الذي ذكرناه لا تكون الصورة الواقعة عن تصريف الغفلة تبلغ من الدرجة مبلغ الصورة التي تكون عن تصريف الوكيل الذي صرف فيه هذا النائب لتتميز المراتب و يعلم الرفيع و الأرفع و اعلم أن هذه المرتبة التي هي هذه النيابة الخاصة لا تكون إلا بالموت و الموت على قسمين موت اضطراري و هو المشهور في العموم و العرف و هو الأجل المسمى الذي قيل فيه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون و الموت الآخر موت اختياري و هو موت في حياة دنياوية و هو الأجل المقضي في قوله تعالى ﴿ثُمَّ قَضىٰ أَجَلاً﴾ [الأنعام:2] و لما كان هذا الأجل المقضي معلوم الوقت عند اللّٰه مسمى عنده كان حكمه في نفسه حكم الأجل المسمى و هو قوله عز و جل ﴿كُلٌّ يَجْرِي إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [لقمان:29] يعني في حاله و لا يموت الإنسان في حياته إلا إذا صحت له هذه النيابة فهو ميت لا ميت كالمقتول في سبيل اللّٰه نقله اللّٰه إلى البرزخ لا عن موت فالشهيد مقتول لا ميت و لما كان هذا المعتنى به قد قتل نفسه في الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس رزقه اللّٰه حكم الشهادة فولاه لنيابة في البرزخ في حياته الدنيا فموته معنوي و قتله مخالفة نفسه و قد جئنا على ما ذكرناه أولا من ذكرنا هذه النيابات العشرة التي هي أمهات و أما ما تتضمنه كل نيابة من فعل كل ما لا يصلح إلا بنيابة فكثير لا يحصى و لله |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |