الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
ما أنزله اللّٰه و جهل الحقائق فلا بد للنائب إذا تكلم أن يضاف إليه الكلام على ما قلناه و أن يكون هذا النائب يفصل بذاته بين كل حرفين و كلمتين لتوجد الثانية و تتعلق بها الأولى حتى ينتظم به ما يريد إظهاره للمصلحة التي يعلمها فدل بكلامه على ما في نفسه و ما كل من سمع بسمعه عقل جميع ما أراده المتكلم أو بعضه إلا من نور اللّٰه بصيرته و لهذا قد يكون حظ السامع من كلام المتكلم ترتيب حروفه من غير أن يعقل ما أراده المتكلم بما تكلم به و يظهر ذلك في السامع إذا كان المتكلم يكلمه بغير لحنه و لغته فإنه لا يفهم منه سوى ما يتعلق به سمعه من ترتيب حروفه فهو التعلق العام من كل سامع و لكن لا يعلم ما أريدت له هذه الكلمات كذلك العالم كله لا يعرف من الموجودات التي هي كلمات اللّٰه إلا وجود أعيانها خاصة و لا يعلم ما أريدت له هذه الموجودات إلا أهل الفهم عن اللّٰه و الفهم أمر زائد على كونه مسموعا فكما ينوب العبد الكامل الناطق عن اللّٰه في إيجاد ما يتكلم به بالفصل بين كلماته إذ لو لا وجوده هناك لم يصح وجود عين الكلمة و الحرف كذلك ينوب أيضا في الفهم في ذلك مناب الحق في قوله ﴿وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّٰى نَعْلَمَ﴾ [محمد:31] فوصف نفسه بأنه يبلو ليعلم في المستأنف و هذه كلها نيابة أحدية لا نيابة غير الأحدية من حيث إن لها القيومية على أعيان الموجودات بما هي الموجودات عليه من الكسب إذ هو القائم ﴿عَلىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمٰا كَسَبَتْ﴾ [الرعد:33] و ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمٰا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر:38] أي قيدها كسبها فلو لا الحق ما تميزت الموجودات بعضها عن بعض و لكان الأمر عينا واحدا كما هو من وجه آخر مثال ذلك إن الإنسان من حيث حده الشامل لآحاده واحد العين فإن الآحاد كلها عين واحدة من حيث إنسانيتها مع علمنا بأن زيدا ما هو عين عمرو و لا عين غيره من أشخاص الأناسي فعين تمييز الحق لها وجودها و عين تمييز بعضها عن بعض فلأنفسها و لذلك لم تزد كلمة الحضرة في كل كائن عنها على كلمة كن شيئا آخر بل انسحب على كل كائن عين كن لا غير فلو وقفنا مع كن لم نر إلا عينا واحدة و إنما وقفنا مع أثر هذه الكلمة و هي المكونات فكثرت و تعددت و تميزت بأشخاصها فلما اجتمعت في عين حدها علمنا إن هذه الحقيقة وجدت كلمة الحق فيها و هي كلمة ﴿كُنْ﴾ [البقرة:12] و كن أمر وجودي لا يعلم منه إلا الإيجاد و الوجود و لهذا لا يقال للموجود كن عدما و لا يقال له كن معدوما لاستحالة ذلك فالعدم نفسي لبعض الموجودات و لبعضها تابع لعدم شرطه المصحح لوجوده و بهذه الحقيقة كان اللّٰه خلاقا دائما و حافظا دائما و لو كان على ما يذكره مخالفو أهل الحق القائلون ببقاء الأعراض لم يصح أن يكون الحق خلاقا دائما و لا حافظا على بعض الموجودات وجودها و إذا لم يزل خالقا دائما فلا يزال مع كل مخلوق ﴿هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ﴾ [الحديد:4] و كنتم أمر وجودي بلا شك فلا شيء أدق من نيابة الفصل بين الكلمات لمن يعرف ما ذكرناه [النيابة السابعة فهي النيابة في الأفعال الظاهرة و الباطنة في وجود الإنسان]و أما النيابة السابعة فهي النيابة في الأفعال الظاهرة و الباطنة في وجود الإنسان و هو ما يحدثه في نفسه من الأفعال و الكوائن لا ما يحدثه في غيره و آيته من كتاب اللّٰه قوله تعالى ﴿حَتّٰى نَعْلَمَ﴾ [محمد:31] و العلم صفة له قديمة و هذا العلم الخاص الظاهر عن الابتلاء هو ما يريده بالنيابة فيه هنا فقال تعالى عن نفسه إنه يجيب الداعي إذا دعاه : و أن ﴿بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [المؤمنون:88] فوصف نفسه بأنه قاهر لكل شيء في هذه الآية فإذا ادعينا نحن الصبر على ما يكلفنا به و حمل المشقة في ذلك طاعة لله فدعوناه ثم نظرنا أثر ذلك في قلوبنا فوجدنا أنه إذا عم الدعاء ذاتنا كلها بحيث إنه لا يبقى فينا جزء له التفاتة إلى الغير حصلت الإجابة بلا شك على الفور من غير تأخير فعلمنا بهذا الاختبار صدق توجهنا لأنا قد علمنا صدقه فيما أخبر به عن نفسه و لو لا مراعاة الأدب الإلهي لكان قولنا بلوناه بما دعوناه به حتى نعلم قوله ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ﴾ [البقرة:186] فإنها كلمة دعوى حتى تكون النيابة صحيحة في قوله ﴿وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّٰى نَعْلَمَ الْمُجٰاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّٰابِرِينَ﴾ [محمد:31] ثم طردنا ذلك في حق كل مدع دعوى من صادق و كاذب فنبنا عنه سبحانه في الاختبار و الابتلاء فإن كان صاحب دعوى صادقة كالرسل و من صدق في دعواه فإنه يقيم الدلالة على صدقه بما بلوناه به من طلب الدلالة كانت الدلالة ما كانت كما بلونا به الكاذب لما ادعى ما ليس له فلم يقم بوجود ما بلوناه به فقال له النائب ﴿فَإِنَّ اللّٰهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهٰا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ [البقرة:258] و هو أمر إمكاني ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ [البقرة:258] و قامت الحجة عليه فالابتلاء أصله الدعوى فمن لا دعوى له لا ابتلاء يتوجه عليه و لهذا ما كلفنا اللّٰه حتى قال لنا ﴿أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف:172] فقلنا بلى فأقررنا بربوبيته علينا و إقرارنا بربوبيته علينا عين إقرارنا بعبوديتنا له و العبودية بذاتها تطلب طاعة السيد فلما ادعينا ذلك حينئذ كلفنا ليبتلي |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||





