الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() الذاكرين اللّٰه لكون اللّٰه جليسهم من الاسم الواسع و فيه علم مراتب الايمان من العلم و أي الدرجات أرفع و فيه علم المفلسين و ما الذي أفلسهم مع ما عندهم من الموجود و فيه علم رجوع اللّٰه على العبد متى رجع هل يختلف أو لا يختلف و لما ذا يرجع ذلك الاختلاف إن كان مختلفا هل للراجع أو لحال المرجوع إليه و فيه علم ما ينتجه التولي عن الذكر من الغضب الإلهي و فيه علم ما يغني و ما لا يغني و فيه تفرق الأحزاب من أي حقيقة تفرقوا من الحقائق الإلهية و فيه علم الوجوب الإلهي بما ذا تعلق و فيه علم من ترك أحباه لما ذا تركهم و ما حليتهم و صفتهم و فيه علم البقاء و الفوز و النجاة و كل علم من هذه العلوم الإلهية من الاسم اللّٰه لا من غيره من الأسماء و لا تجد ذلك إلا في هذا المنزل خاصة فإنه منزل مخصوص بحكم اللّٰه دون سائر الأسماء مع مشاركة بعض الأسماء فيه فهذا بعض ما يحوي عليه هذا المنزل من العلوم عيناها لك لترتفع الهمة منك إلى نيلها فتح مكاشفة من اللّٰه ثم نرجع إلى الكلام على بعض ما يحوي عليه هذا المنزل فنقول إن اللّٰه قال في كتابه إنه ﴿وَضَعَ الْمِيزٰانَ﴾ [الرحمن:7] ليظهر به إقامة العدل في العالم بصورة ظاهرة محسوسة ليرتفع النزاع بين المتنازعين لوجود الكفتين المماثلة للخصمين و لسان الميزان هو الحاكم فإلى أية جهة مال حكم لتلك الجهة بالحق و إن هو بقي في قبته من غير ميل إلى جهة إحدى الكفتين علم إن المتنازعين لكل واحد منهما حق فيما ينازع فيه فيقع له الإنصاف لما شهد له به حاكم لسان الميزان فارتفع الخصام و المنازعة و الحاكم لا يكون خصما أبدا فإن نوزع فما ينازعه إلا من عزله من الحكم أو من جهل إنه حاكم و لهذا «قال رسول اللّٰه ﷺ عند نبي لا ينبغي تنازع» أي لا يكون نزاع مع حضوره أو تمكن الوصول إلى حضوره فإذا فقد ظهر النزاع و ادعى كل واحد من الخصماء أن الحق بيده فلو إن اللّٰه يفتح عين بصائر الخصماء لمشاهدة الحق و يعلمون أنه بالمرصاد و هو الحاكم و بيده الميزان يرفع و يخفض لم يصح نزاع في العالم فدل وقوعه أن الكل في حجاب عن الحاكم صاحب الوزن و الميزان فإذا رأيت من ينازع في العالم فتعلم أنه في حجاب عن اللّٰه فإن نازع أحدهما و لم ينازع الآخر بل سكت عنه فتعلم إن الساكت عنه إما صاحب شهود أو صاحب خلق فإن كان النزاع في تعدى حد إلهي فالمنازع في ذلك صاحب أدب إلهي أو متصور بصورة صاحب أدب إلهي و هو المرائي لكنه خير بالجملة فصاحب الأدب الإلهي ما هو منازع و إنما هو ترجمان منازع و المترجم عنهم هم الأسماء الإلهية التي منها نشاء النزاع في العالم و من أجلها وضع الميزان الشرعي في الدنيا و الميزان الأصلي في الآخرة فإن المعز و المذل خصم و الضار و النافع خصم و المحيي و المميت خصم و المعطي و المانع خصم و كل اسم له مقابل من الأسماء في الحكم و الميزان الموضوع بين هذه الأسماء الاسم الحكم و الميزان العدل في القضاء فينظر الحكم استعداد المحل فيحكم له بحسب استعداده فيجعله في حزب أحد الاسمين المتقابلين المتنازعين فإذا علمت وضع الموازين على اختلاف صورها في المعنى و الحس كنت أنت عين الحاكم بها و صحت لك النيابة عن اللّٰه في كون الميزان بيدك تخفض و ترفع غير إن الفارق بينك و بين اللّٰه في الوزن إن اللّٰه يرفع بالمشيئة و يخفض بالمشيئة و أنت لا أثر لمشيئتك في الوزن و إنما تزن لمن ترى الحق بيده فأنت صاحب علامة تعرف صاحب الحق فتزن له و الحق صاحب مشيئة و هنا سر يخفى عن بعض العارفين و هو أن المشيئة تعين بالميزان إذا رفعت أو خفضت إن استعداد المحل أعطى ذلك كما إن وجود الحق في نفس الأمر أعطى لصاحب العلامة أن يزن له لعلمه بأن الحق له كما علم الحق تعالى أن استعداد هذا المحل أعطاه الوزن له و لا أثر للمشيئة في الاستعداد بما هو استعداد و إنما أثرها في تعيين هذا المحل الخاص لهذا الاستعداد الخاص إذ يجوز أن يكون لغيره لا يجوز أن تزول حقيقة الاستعداد و لا إن تنقلب مثل ما نقول في علم الطبيعة إن الحرارة لا تنقلب برودة لكن الحار ينقلب باردا من جهة كونه محلا و عينا لا من كونه حارا و لا باردا فالاستعداد الذي هو كذا لا ينقلب للاستعداد الذي هو كذا و إنما المحل القابل لهذا الاستعداد المعين قابل لغيره من الاستعدادات فالمشيئة خصصته بهذا الاستعداد دون غيره ما خصصت الاستعداد فإني رأيت جماعة من أصحابنا غلطوا في هذه المسألة و رأوا أن المشيئة لا أثر لها في هذا المحل لما يعطيه استعداد ذلك المحل إذ لا أثر لها في الاستعداد و الأمر على ما بيناه إن عقلت (فمن مسائل هذا الباب)أن ميزان الطبيعة نازع الميزان الإلهي الروحاني لما علمت إن ميزانها ما هو بجعل جاعل و ذهلت أن ظهور ميزانها |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |