الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)و أغناني فروحني علوا *** و أفقرني فأصحبني ضريحي فإن حضروا و ضمهم مقام *** إليهم حين أبصرهم جنوحي فبر الوالدين على فرض *** فيا نفسي على التفريط نوحي أنا ابن محمد و أنا ابن نوح *** كما أني ابن آدم في الصحيح فيا من يفهم الألغاز هذا *** لسان رموزنا بالعلم يوحي [أن أصل أرواحنا روح محمد ص]اعلم أيدك اللّٰه أن أصل أرواحنا روح محمد ﷺ فهو أول الآباء روحا و آدم أول الآباء جسما و نوح أول رسول أرسل و من كان قبله إنما كانوا أنبياء كل واحد على شريعة من ربه فمن شاء دخل في شرعه معه و من شاء لم يدخل فمن دخل ثم رجع كان كافرا و من لم يدخل فليس بكافر و من أدخل نفسه في الفضول و كذب الأنبياء كان كافرا و من لم يفعل و بقي على البراءة لم يكن كافرا و أما قوله تعالى ﴿وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّٰ خَلاٰ فِيهٰا نَذِيرٌ﴾ [فاطر:24] ليس بنص في الرسالة و إنما هو نص في إن في كل أمة عالما بالله و بأمور الآخرة و ذلك هو النبي لا الرسول و لو كان الرسول لقال إليها و لم يقل فيها و نحن نقول إنه كان فيهم أنبياء عالمون بالله و من شاء وافقهم و دخل معهم في دينهم و تحت حكم شريعتهم كان و من لم يشأ لم يكلف ذلك و كان إدريس عليه السّلام منهم و لم يجيء له نص في القرآن برسالته بل قيل فيه ﴿صِدِّيقاً نَبِيًّا﴾ [مريم:41] فأول شخص استفتحت به الرسالة نوح عليه السّلام و أول روح إنساني وجد روح محمد و أول جسم إنساني وجد جسم آدم و للوارثة حظ من الرسالة و لهذا قيل في معاذ و غيره رسول رسول اللّٰه و ما فاز بهذه الرتبة و يحشر يوم القيامة مع الرسل إلا المحدثون الذين يروون الأحاديث بالأسانيد المتصلة بالرسول عليه السّلام في كل أمة فلهم حظ في الرسالة و هم نقلة الوحي و هم ورثة الأنبياء في التبليغ و الفقهاء إذا لم يكن لهم نصيب في رواية الحديث فليست لهم هذه الدرجة و لا يحشرون مع الرسل بل يحشرون في عامة الناس و لا ينطلق اسم العلماء إلا على أهل الحديث و هم الأئمة على الحقيقة و كذلك الزهاد و العباد و أهل الآخرة من لم يكن من أهل الحديث منهم كان حكمه حكم الفقهاء لا يتميزون في الوراثة و لا يحشرون مع الرسل بل يحشرون مع عموم الناس و يتميزون عنهم بأعمالهم الصالحة لا غير كما أن الفقهاء أهل الاجتهاد يتميزون بعلمهم عن العامة و من كان من الصالحين ممن كان له حديث مع النبي ﷺ في كشفه و صحبه في عالم الكشف و الشهود و أخذ عنه حشر معه يوم القيامة و كان من الصحابة الذين صحبوه في أشرف موطن و على أسنى حالة و من لم يكن له هذا الكشف فليس منهم و لا يلحق بهذه الدرجة صاحب النوم و لا يسمى صاحبا و لو رآه في كل منام حتى يراه و هو مستيقظ كشفا يخاطبه و يأخذ عنه و يصحح له من الأحاديث ما وقع فيه الطعن من جهة طريقها فهؤلاء الآباء الثلاثة هم آباؤنا فيما ذكرناه و الأب الرابع هو إبراهيم عليه السّلام هو أبونا في الإسلام و هو الذي سمانا مسلمين : و أقام البيت على أربع أركان فقام الدليل على أربع مفردات متناسبة و كانت النتيجة تناسب المقدمات فانظر من كانت هذه مقدماته و هو محمد و آدم و نوح و إبراهيم عليه السّلام ما أشرف ما تكون النتيجة و الولد عن هؤلاء الآباء روح طاهر و جسد طاهر و رسالة و شرع طاهر و اسم شريف طاهر و من كان أبو هؤلاء المذكورين فلا أسعد منه و هو أرفع الأولياء منصبا و مكانة و لما كانت النشأة ظهرت في الجنان أو لا و اتفق هبوطها إلى الأرض من أجل الخلافة لا عقوبة المعصية فإن العقوبة حصلت بظهور السوآت و الاجتباء و التوبة قد حصلا بتلقي الكلمات الإلهية فلم يبق النزول إلا للخلافة فكان هبوط تشريف و تكريم ليرجع إلى الآخرة بالجم الغفير من أولاده السعداء من الرسل و الأنبياء و الأولياء و المؤمنين و لكن الخلافة لما كانت ربوبية في الظاهر لأنه يظهر بحكم الملك فيتصرف في الملك بصفات سيده ظاهرا و إن كانت عبوديته له مشهودة في باطنه فلم تعم عبوديته جميعه عند رعيته الذين هم أتباعه و ظهر ملكه بهم و بأتباعهم و الأخذ عنه فكان في مجاورتهم بالظاهر أقرب و بذلك المقدار يستتر عنه من عبوديته فإن الحقائق تعطي ذلك و لذلك كثيرا ما ينزل في الوحي على الأنبياء ﴿قُلْ إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحىٰ إِلَيَّ﴾ [الكهف:110] و هذه آية دواء لهذه العلة فبهذا المقدار كانت أحوال الأنبياء الرسل في الدنيا البكاء و النوح فإنه موضع تتقي فتنته و من كان ذلك حاله أعني التقوى و الاتقاء كيف يفرح |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |