الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() ليقابل بها حرارة الوحي فإنه محرق و لو لا القوة التي تحصل للقلب من هذا البرد هلك [علم أحوال الآخرة من جانب ما تحوي عليه من الشدائد خاصة]و اعلم أن هذا المنزل يتضمن من العلوم علم اليقين و علم الحجاب و علم الوعيد و علم الكبرياء الكوني المنوط بالحق و علم التقديس و علم السبب الذي لأجله اتخذت المخلوقات أربابا من دون اللّٰه و لما ذا قال ﴿أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ﴾ [آل عمران:64] و هم اتخذوها أربابا مع اللّٰه و علم ما يحل من الربا و علم إيثار الحق و هل يصح هذا مع اعتقادك أن لا فاعل إلا اللّٰه فعلى من يؤثره و علم أحدية النفخة و اختلاف الأثر و لما كان الاشتعال في النار بالنفخ و ينطفي به السراج و الهواء أقرب للاشتعال للطافته من الحشيش و الفحم و علم أحوال الآخرة من جانب ما تحوي عليه من الشدائد خاصة و علم المعارضة التي قصدها الحلاج حتى دعا عليه عمرو بن عثمان فلما جرى عليه ما جرى كانت المشيخة تقول إنما أصيب الحلاج بدعوة الشيخ و علم السحر الحقيقي و غير الحقيقي و هل هو في الحالتين خيال أم لا و علم لما ذا يرجع كون الباري له كلام هل لخلقه أو لصفة قائمة به زائدة على ذاته أو نسبة خاصة أو لعلمه و محل الإعجاز من القرآن ما هو فإن هذا علم عظيم منيع الحمى و علم الاصطلام الذي تنتجه معارضة الكلام و علم ما تحوي عليه البسملة من الأسرار و لما ذا انحصرت في هذه الثلاثة الأسماء و هذه الحروف المخصوصة دون باقي الحروف و أين محلها من الآخرة و هل تخلق من حروفها ملائكة أي يأتي يوم القيامة كل حرف منها صورة قائمة مثل ما تأتي سورة البقرة و سورة آل عمران و هما الزهراوان يشهدان لقارئهما و إذا وجدت صور هذه الحروف يوم القيامة فمن حيث رقمها أو من حيث التلفظ بها أو منهما و الحروف المشددة منها هل تخلق صورتين أو صورة واحدة و إذا خلقت هذه الحروف صورا فمن أي شيء تقي قارئها و من في مقابلتها و وقايتها هل هي عين الشهادة فإن كانت للشهادة فما تشهد إلا لمن رقمها أو من تلفظ بها أنه رقمها أو تلفظ بها و قد رقمها الكافر و تلفظ بها المنافق و إن كانت تشهد بالإيمان بها الذي محله القلب فما هي بسملة الرقم و لا بسملة اللفظ و ليس في النفس إلا العلم بها و الايمان و الإرادة لها و كذلك يكون الأمر على هذا التقسيم في الزهراوين من رقمها أو قراءتها أو من كونها سورة فقط أو من كونها ذات آيات و حروف و هل الآيات في الصورة كالأعضاء لصورة الحيوان أو هي لها كالصفات النفسية للموصوف لا كالأعضاء هذا كله من علم هذا المنزل و علم الضلال و الهدى و هل يرجعان إلى نسب أو إلى أعيان موجودة و إن كانت موجودة أعيانا فهل هي مخلوقة أو غير ذلك و إن كانت مخلوقة فهل هما من خلق العباد أو من خلق اللّٰه أو بعضها من خلق العبد و بعضها من خلق اللّٰه و علم تسليط المخلوقات بعضهم على بعض من المعاني و غير المعاني فإن اللّٰه تعالى لما سمي نفسه ملكا سمي خلقه جنودا و إذا كانوا جنودا و ما ثم إلا اللّٰه و خلقه فلمن يحاربون أو هم أجناد زينة لا أجناد محاربة فإن حارب بعضهم بعضا و هو الواقع فمن أجناد اللّٰه من هؤلاء الأجناد فالذين هم أجناد اللّٰه فإن اللّٰه مليكهم فمن ملك الأجناد الآخرين و هنا من الأسرار الإلهية مهالك و يرجع علم ذلك لما في أحكام الأسماء الإلهية من المنازعة و التضاد و منها الموافق و المخالف و كذلك الأرواح الملكية و قد روى أن رجلا من المسرفين على نفسه أراد التوبة و كان من قرية كلها شر و كانت ثم قرية أخرى كلها خير فأراد الهجرة إليها فبينا هو في الطريق جاء أجله فمات فتنازعت ملائكة الرحمة الذين هم أجناد الاسم الرحيم و ملائكة العذاب الذين هم أجناد الاسم المنتقم فلما طال النزاع بينهم فيمن يتسلمه من هاتين الطائفتين الذين هم وزعة الأسماء الإلهية أوحى اللّٰه إليهم إن قدروا ما بين القريتين فإلى أيهما كان أقرب كان من أهلها فقدروا ما بين القريتين فوجدوا الرجل قد ناء بصدره لا غير نحو قرية السعادة فحكم له بالسعادة فتسلمته ملائكة الرحمة و معلوم أنه ما مشى إلا بعد حصول التوبة في قلبه أو إرادتها إن كان لا يعلم حدها فقد علم اللّٰه من ذلك ما علم و كل خطوة خطاها من أول خروجه من قريته فهجرة و حركة محمودة و مع هذا وقع الحكم بالتقدير المكاني و المكان فما سبب ذلك و ما أثره في الكون و هل للحاكم فيه مدخل في الحكم بين الناس و هو الحكم بالاستهام و هو القرعة و علم الأعمال المشروعة هل لها وجود قبل إن يعمل بها المكلف أو لا وجود لها بل هي عين عمل المكلف و إذا كانت عمله كيف تحكم الصنعة على صانعها من غير حكم النسب إذ لا أثر لها فيه إلا بما ينسب إليه منها من الثناء المحمود أو المذموم و «قد ورد أن كل إنسان مرهون بعمله» فمن الراهن و المرتهن إذا كان المكلف عين الرهن فما أعجب حكم اللّٰه في خلقه فو الله ما عرف اللّٰه |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |